الصين تعيد اختراع الأدب
آدم مينتر
قد تؤدي الهواتف الذكية إلى هلاك المطبوعات في الصين وانقراضها، لكنها في الوقت ذاته تحدث ثورة في الأدب، حيث قرأ 333 مليون صيني خلال العام الماضي روايات تمت كتابتها خصيصاً لهواتفهم وأجهزتهم، بحسب بيانات حكومية. وكان بعض تلك الأعمال من تأليف هواة، في حين كان البعض الآخر من تأليف محترفين. مع ذلك، تزداد صعوبة التمييز بينهما في وقت تحول فيه الأدب الصيني على الإنترنت إلى صناعة تقدر قيمتها بـ1.3 مليار دولار. وقد بدأ المستثمرون يلاحظون الأمر؛ وتطرح «تشاينا لتريتشر لميتيد»، أكبر دار نشر على الإنترنت في البلاد، أسهمها للاكتتاب العام في هونغ كونغ، ومن المتوقع أن تتجاوز قيمتها السوقية 6 مليارات دولار. من المتوقع أن يلفت نجاحها انتباه باقي مؤسسات النشر إلى أن مستقبل الكتاب في الصين يتشكل الآن، وأنه لا يشبه الماضي إطلاقاً.
ظلت شركات مملوكة للحكومة تهيمن على صناعة النشر في الصين لعقود، وكانت تبتعد عن نشر الموضوعات التي قد تثير الجدل، وكانت السياسة هي الموضوع الأكثر وضوحاً، في حين كان يتم تجنب موضوعات مثل الجنس والرومانسية والعنف، التي تعد من أهم عناصر الجذب، بوجه عام. لا تزال الكتب الجيدة تجد طريقها إلى النشر، لكن يظل التعبير الإبداعي مكبلاً بالقيود الرسمية وغير الرسمية.
وظهرت الإنترنت لتقدم قناة خلفية؛ ففي نهاية التسعينيات، بدأ مؤلفون في نشر روايات مسلسلة على منتديات ولوحات نشرات على الإنترنت؛ وكانت تلك طريقة نشر غير رسمية وبعيدة عن أعين الرقابة، وحظيت بعض الروايات الأولى، وبخاصة الرومانسية منها، بشعبية كبيرة. وكانت تلك الوسائل المعادل لمواقع التواصل الاجتماعي في ذلك الوقت، وبدأت النقاشات والتعليقات الموازية تتمحور حول هذا النوع الجديد من الأدب، وباتت تمثل جزءاً من تجربة القراءة لا يقل أهمية عن القصة ذاتها، حيث كانت التعليقات تؤثر في الكثير من الحالات على الكيفية التي يكتب بها المؤلفون؛ مما كان يزيد من عدد القرّاء التواقين إلى أن يصبحوا جزءاً من عملية الكتابة ذاتها.
ومع ازدهار مواقع التواصل الاجتماعي، والانتشار السريع للهواتف الجوالة في الصين، أصبحت الروايات المسلسلة ظاهرة بارزة. وفي عام 2011 حققت روايتان مسلسلتان، هما «إمبراطورة في القصر»، التي تتناول شكل الحياة في الحريم الإمبراطوري في الصين، و«القلب القرمزي»، وهو دراما عن السفر عبر الزمن، نجاحاً كبيراً على مستوى البلاد. ومنذ عام 2012، شهد سوق أدب الإنترنت نمواً بنسبة تزيد على 20 في المائة سنوياً.
رغم كل هذه الشهرة لم تحقق تلك الروايات المسلسلة الكثير من الأرباح، حيث حاول بعض الناشرين اللجوء إلى طريقة الاشتراك، بينما حاول البعض الآخر بيع إعلانات، وقبول اشتراكات رمزية. مع ذلك لم تنجح أي من تلك الطرق، لكن توصل بعض رواد الأعمال خلال السنوات القليلة الماضية إلى طريقة جديدة للنظر في الروايات المسلسلة، وبدأت سلسلة في صناعة الترفيه تظهر على الإنترنت.
وتتضمن تلك السلسلة حالياً أفلاماً، وتلفزيوناً، وألعاباً، بل وحتى كتباً مطبوعة. وتم تحويل رواية مسلسلة عن الفنون القتالية بعنوان «رحلة زهرة» للكاتب فريش غو غو في عام 2015 إلى لعبة فيديو شهيرة، ومسلسل تلفزيوني على الإنترنت. وهناك رواية أخرى مسلسلة بعنوان «الغيلان» تم تحويلها إلى فيلم سينمائي بات هو تاسع أضخم فيلم في تاريخ الصين، وتم قراءتها ملايين المرات على الإنترنت وفي نسخ مطبوعة. منذ ذلك الحين أصبحت تلك الروايات المسلسلة مصدر إلهام لأفلام أخرى ومسلسل تلفزيوني قصير. وجنى زانغ وي، الكاتب صاحب الأعمال الأكثر مبيعاً على الإنترنت في الصين، 16.8 مليون دولار عام 2015، لكن لا تمثل أموال المستخدمين، الذين يدفعون مقابل قراءة أعماله على الإنترنت، سوى نسبة تتراوح بين2 و3 في المائة فقط من هذا المبلغ.
يراهن المستثمرون على تحقيق المزيد من النجاحات. وقد استثمرت كبرى شركات التكنولوجيا، ومنها «علي بابا غروب هولدينغ لميتيد»، و«بايدو إنكوربوريشين»، و«تنسينت هولدينغز لميتيد»، في منصات تستهدف جذب الكتاب الموهوبين وتحويل أعمالهم إلى علامات تجارية متعددة الوسائط. تحدث زانغ، الذي بدأ مسيرته المهنية بالكتابة مجاناً على الإنترنت، عن ذلك بإيجاز في مقابلة خلال العام الماضي قائلاً: «هدفي هو صناعة اسم كبير مثل (ديزني)».
وتأمل شركات الترفيه في الصين أن يصبح شخص ما يكتب حالياً قصصاً مجاناً للهواتف الذكية، مثل الكاتبة الصينية جوان رولينغ. وفي ظل وجود 6.4 مليون مؤلف، و9.6 مليون عمل على الساحة، يعد الأدب الصيني نقطة انطلاق جيدة؛ مما يجعلها هي الفرصة النادرة للرهان مباشراً على عامة الشعب في الصين. ويمثل هذا الشكل المستقبلي للأفضل مبيعاً بالنسبة للمؤلفين والمستثمرين على حد سواء.
* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»