الشيخ والوزيرة ومقاهي طرابلس
فرج عبدالسلام
معاركُ السلفيين العبثية مع الحداثةِ حكايةٌ لا تنتهي، كما أصبحت مملة، وإن مثلت في بعض الأحيان مادةً للتندّر بين الناس. آخر تجليّات أتباع السلف الصالح في السودان هذه المرة، حين طالب شيخٌ من أبرز رموز هذا التيار المحكمةَ الدستورية، برفع الحصانة عن وزيرة الشباب والرياضة، تمهيدا لمحاكمتها حسب رؤيته السلفية.
وتبدأ الحكايةُ حين دشّنت معالي الوزيرة، دوري لكرة القدم النسائية، فقامت الدنيا ولم تقعد، واتُّهِمت الوزيرة بالزندقة والردّة لتشجيعها النساء على اقتراف هذا الإثم العظيم. بالمناسبة فمعالي الوزيرة الشابة كانت إحدى الوجوه البارزة في الثورة السودانية الرائدة ضد نظام الاستبداد التي مثلت مع تونس وجها مختلفا لثورات الربيع العربي، التي أصيبت بالأمراض الخطيرة والانتكاسات في أماكن أخرى وأبرزها في ليبيا، حين امتطت ظهرها التيارات الإسلامية المسالمة منها والمتشددة.
طبعا يعود السبب في اختلاف ما حدث في السودان وليبيا، إلى البونٌ الشاسع في الثقافة العامة والتاريخ النضالي، والتجربة الحزبية ومفهومُ الديموقراطية بين ليبيا والسودان، ولهذا السبب اجتاز السودانيون محنتهم بسلام وحققوا ربيعهم بالحد الأدنى من الخسائر على الرغم من كل محاولات التيارات الدينية المختلفة ركوب الثورة كعادتها والاستفادة منها لما تظنه مصلحتها.
إلا أن وعي عموم السودانيين كانت له الغلبة حين أملى شروطه على العسكر الذين لم يحققوا مرادهم في حكم السودان لفترات طويلة أخرى، وأن ينفذوا رؤيتهم البائسة في صنع الخراب. وها هو رئيس وزراء السودان يقول تعليقا على موضوع الشيخ والوزيرة: يجب أن نحتفي بالتنوع الذي تتميز به بلدنا، ونضع حدا لخطاب الكراهية والتطرف الديني وأن نعمل سويا لإعادة بناء بلدنا.
من المفارقات المضحكة المبكية ما حدث في طرابلس منذ أيام حين قامت جماعات تتبع إحدى المليشيات باقتحام مقاهي ومطاعم المدينة مفتشة عن الأخلاق، وأخذت تسائل الرواد من الذكور والإناث عن مدى الصلة الشرعية التي تربطهم ببعضهم البعض، في انتهاك صارخ للحريات، وتعريض المواطنين للمهانة والإذلال، وفي تأكيد أيضا على أن العاصمة في قبضة مليشيات منتمية إلى تيارات مختلفة، تفعل ما يقول لها فكرها.
طبعا حالة الذلّ والجنوح لبر الأمان جعلت الكثير من أصحاب هذه الأماكن يضعون إعلانات تقول إنهم يطبقون مبادئ المليشيات السلفية، بل واعلن بعضهم أنهم لا يذيعون حتى الموسيقى الكافرة.
ربما في هذا الصدد تجب الإشارة إلى المفارقة الكبرى وهي أن سلفيي ليبيا المنكوبة الذين يستقون أفكارهم ووحيهم، من شيوخهم في السعودية، أن الأحوال قد تغيّرت بالكامل هناك، وأن أيقوناتهم السلفية قد سمحوا للنساء بممارسة الرياضة، وقيادة السيارة، والسفر دون محرم، بل والإقامة في الفنادق دون أي سؤال وما يزال القادم أعظم.
لا ننتظر أن ينبري أي مسؤول في ليبيا لينبه هؤلاء مثلما فعل حمدوك في السودان لمعرفتنا التامة بشروط وقوانين اللعبة التي تجرى عندنا الآن، لكن من باب رفع العتب على الأقل نقول لسلفيي ليبيا ارحموا الليبيات المسكينات أيها (المثلّثون) فقد تعرضن بما يكفي للمهانة، وابحثوا لكم عن مطيّة أخرى لدخول الجنة والتمتع بخيراتها، غير تنغيص حياة الليبيين، فلديهم ما يكفيهم من الهموم.