“الساطور ” حكاية تأبى النسيان.. في ذكرى الرحيل.. “218” تستعرض مسيرة الفقيد
هو صاحب الريشة الجريئة وفن المواقف الصادقة حسن دهيمش، والذي أضاء بلوحاته الساخرة وريشته الناقدة واقع بلاده الذي رأى فيه لوحةً كبيرةً من خطوط تراجيدية مليئة بالألم، في بيئة لا يظهر فيها سوى اللون الواحد تحيطه عباءة الظلم والقهر.
واقع مرير؛ دفع حسن دهيمش لاستلال ساطوره، وخط شارة البداية لبدء رحلة طويلة من النقد الهادف الذي صدح به في منابر الاغتراب حيث الفسحة التي لم تحتملها فيافي ليبيا العميقة الشاسعة.
وُلد الساطور في مدينة بنغازي عام 1956 ، انتقل من مسقط رأسه وسط بنغازي إلى منطقة “البركة”، حيث درس المرحـلة الابتدائيّة فِي مدينتي بنغازي وطبرق، والإعداديّة فِي مدرسة “الأميـر” وسط مدينة بّنْغازي ثمّ الثّانويّة فِي مدرسـة “صلاح الدّين الأيوبي” بمنطقة “البركة” فِي مدينة بنغازي قبل أن ينتقل إلى بريطانيا التي أسس فيها عائلته ومارس فيها هوايته النضالية برسوم ساخرة زينة منشورات الصحف الليبية المعارضة في الخارج حيث كان الساطور رمزًا لشقّ عصا الطاعة وهجر النظام الذي لم يدعمه يومًا ووسيلة لاتقاء عيون النظام وأياديهم الغادرة التي بطشت بالعديد من رفاقه في أزقة وشوارع الاغتراب.
انضم حسن دهيميش، مبكرًا، إِلى المعارضة الليبية فِي الخـارج، وبدأ نشاطه الإعلامي فِي مجلّة “الجهاد” التي رسم فيها أول كاريكاتيراته ثمّ مجلّـة “صـوت ليبَيا” كان أيْضاً يرسل بعض كاريكاتيراته فِي مطلع الثمانينات إِلى مجلّـة “شـهداء ليبَيـا” الناطـقة باسم فرع اتحاد طلبة ليبَيـا بالولايّات المتّحـدة واستمر في مشروعه الفني النضالي حتى التحق بالأصوات الليبية الحرة التي انطلقت عقب ثورة 17 من فبراير حيث رأى سقوط النظام واقعًا بعد عقود من الاستبداد والقهر.
اختزلت ذاكرة الساطور أحداث جسام عاشتها شوارع بنغازي وصنعت فيما بعد ملامح تطورات البنية السياسية والاجتماعية الليبية؛ فحسن دهيميش والذي كان مشدودا للنظام الملكي وقيادته السنوسية التي جعلت لوالده الشّيخ محمود دهيميش صاحب الصوت القرآني الشجيّ حظوة كبيرة ومكانة معتبرة كان من بين من تظاهروا ضد نظام القذافي عام 1975 وهو بدايات عداء مبكر انتهت بحسم الأمر والرحيل إلى المهجر في العام ذاته لتبدأ القصة وتنتهي هناك عام 2016، بعد صراع مع مرض عضال لم يمهله كثيرًا.
لم يكن الساطور، بحسب رفاقه ومتابعيه، مجرد رسام ناقد، بل كان مناضلاً شرسًا وصاحب رؤية تواقة لمستقبل تزدهر في بلاده، حيث لا يمكن لفنان بحجم الساطور أن يحبس ذاكرته أو يكبّل يديه بلون واحد، فالحياة عنده ألوان والنضال في حياته عنوان يُخلّد في لوحات باتت جزءًا من ذاكرة الوطن.