الزيارة المُرحب بها
الدكتور مسعود السلامي
زيارة الوفد المصري الرفيع المستوى لطرابلس بعد 6 سنوات من القطيعة هي زيارة مرحب بها شعبيا ورسميا. فإذا كانت الزيارة مصلحة مصرية (وهي كذلك) فهي قبلها مصلحة ليبية مطلوبة ومرغوبة. وقبل هذا وذاك هي زيارة تعكس العلاقات متكاملة الأركان بين البلدين الشقيقين، هذه العلاقات التي قد تمرض بفعل أطماع وسلوك من يسيطرون على السلطة ولكنها علاقات لا يمكن أبدا أن تموت. حقيقة تاريخية ثابتة لا تسقطها عواصف المؤامرات أو التواطؤ أو التدخلات الخارجية.
ويمكن أن نوجز المنافع السياسية لزيارة طرابلس العاصمة الأبية الجامعة المانعة في الآتي:
أولا: هي زيارة تجهض كل المحاولات والدعوات لعودة الاقتتال وتبدد آمال كل من يُسوق لعودة الصراع العسكري أو يراهن عليه أو يتمعش منه أو من يسلب حقوق وقوت الليبيين بسببه.
ثانيا: إن هذه الزيارة تُحدث نوعا من التوازن مع التدخل التركي في ليبيا وتمنعه إلى حد ما من الاستفراد واستغلال حالة الضعف والانقسام في البلاد وتحقيق مكاسب لا تتحملها ليبيا. وهنا يمكن القول إن هذه الزيارة ربما لا تكون بعيدة عن الغزل السياسي ومحاولات التفاهم التي تجري تحت الطاولة بين مصر وتركيا.
ثالثا: إن هذه الزيارة تعطي إشارة قوية لبقية الأطراف المتدخلة الإقليمية وغير الإقليمية وحتى لبعض الأطراف المحلية أن التعويل على الحل العسكري قد سقط وأن مصر لم تعد ترغب فيه أو تدعمه وأن الحل السياسي الشامل الذي يقوم على إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية شفافة ونزيهة تحت رعاية دولية شاملة هو الحل الوحيد للأزمة.
رابعا: هذه الزيارة ونتائجها ربما فيها نوع من الذكاء في استشراف المستقبل، فكما هو معلوم أن أياما قليلة تفصل جو بايدن على دخول البيت الأبيض واستلام السلطة في الولايات المتحدة وسيترتب على ذلك تحولات في الأدوار والمواقف تجاه الأزمة الليبية، فمن الثابت أن بايدن لديه موقف مغاير عن سابقه ترامب تجاه الأزمة الليبية، وخاصة تدخل كل من تركيا ومصر في الأزمة، وبالتالي سيعمل على فرملة هذا التدخل وربما محاصرته، وهذا الأمر لا يغيب عن تصور لا مصر ولا تركيا ولهذا وجدا أن الجنوح للسلم والتفاهم على اقتسام المصالح في ليبيا هو الخيار الأفضل لسياستهما.
إن هذه الزيارة تجهض كل محاولات العزل والاستحواذ والمنافع المناطقية ويجب استثمارها بذكاء في التعرف على مصلحة الوطن ووحدة الوطن المهددة، وعدم الالتفات لبعض الأصوات التي تشكك عبر الظهور في بعض المنابر من جدوى هذه الزيارة، وتنصب نفسها الوصية على مصلحة ليبيا والأقدر على فهم الواقع، وهي أبعد من ذلك تماما سواء على مستوى الفهم والتحليل المصائب، أو على مستوى مشاركة الليبيين في ظروفهم ومعاناتهم.