الزائدي يكشف لـ218 تفاصيل حكاية “مكتبته الجهنمية” مع “الديكتاتورية”
رأى الشاعر والقاص والمترجم الليبي “مأمون الزائدي”، أن نمط الحياة المدنية في ثقافتنا العربية، ما يزال مرتبطاً بعقلية البدو والقبيلة المسيطرة ظاهرا وباطناً على سلوكياتنا وتفكيرنا، إضافة للوجود القوي للدين أو ما نفهمه من الدين، وأن القائد والسيد والبطل المغوار مسميات أخرى للطاغية أو الديكتاتور، وتتطلب طبيعة الحياة تلك هذا الوجود الذي لا يعتبر مشيناً أو مستنكراً غالباً.
وأوضح الزائدي في حوار مع “218”، بمناسبة قُرب صدور ترجمته كتاب “المكتبة الجهنمية.. في أدبيات الديكتاتورية” للكاتب “دانيال كالدر”، الذي يأتي ضمن سلسلة “دراسات فكرية عن دار نينوى للدراسات والنشر والتوزيع، أن الكتاب يتناول مؤلفات وكتباً أصدرها مؤلفوها وهم في السلطة ليرسّخوا بقاءهم فيها.
وتالياً نص اللقاء:
218- هل يتضمن الكتاب أسماء “شخصيات دكتاتورية” في المنطقة العربية، أم أنه يتحدث بشكل عام عن “الدكتاتورية”؟
الزائدي: الإجابة هي نعم لشقي السؤال، فالكتاب يتحدث عن الكتب التي كتبها “قادة” اعتلوا سدة الحكم في بلدانهم، وقاموا بتطبيق وفرض ما جاء في تلك الكتب التي كتبوها على شعوبهم دون أي اهتمام بالنتائج، ومدى تأثيرها على حياة الناس وحالة البلد. فقد عاش عبد المولى في ظل مولاه كما يقول النيهوم، في حالة من الخدر والوهم منقادا ومسحورا لصورة الزعيم أو القائد أو المعلم وهي الأسماء التي نستعملها لوصف الديكتاتور كعادتنا في تسمية الأشياء بغير مسمياتها، وإن كنا نفعل ذلك أحيانا من باب التيمن أو المراعاة لكننا هنا نستخدمها تحت طائلة الرعب والخوف من الموت أو السجن والتنكيل.
ويستدعي في منطقتنا العربية الانتباه إلى خصوصية الظروف المميزة لثقافتنا وأسلوب حياتنا البعيد كثيرا عن نمط الحياة المدني حيث مازالت عقلية البدو والقبيلة مسيطرة ظاهرا وباطنا على سلوكياتنا وتفكيرنا، إضافة للوجود القوي للدين أو ما نفهمه من الدين وبالتالي فإن القائد والسيد والبطل المغوار هي مسميات أخرى للطاغية أو الديكتاتور وللأسف تتطلب طبيعة الحياة تلك هذا الوجود الذي لا يعتبر مشينا أو مستنكرا غالباً. التخلف الذي نعيشه يمنح الديكتاتورية تعريفاً آخر بل قد يمجدها ويعليها. وهذه نقطة مهمة تطرق إليها الكتاب – يمنح الديكتاتور تلك الهالة المقدسة وينشئ شيئا يشبه طقوس العبادة لتلك الشخصية.. فتكدس لها الألقاب وتملأ صورها الشوارع ويلهج بذكرها وتنسب لها الأعاجيب وتُرى صورتها فوق القمر.
218- لماذا تم وصف الكتاب بأنه “أسوأ الكتب التي تمت كتابتها على الإطلاق”، وفقا لما جاء في خلفية الغلاف؟
الزائدي: لم يوصَف الكتاب كذلك بل ذكر المؤلف في مقدمته أنه كتاب عن “أسوأ الكتب التي تمت كتابتها على الإطلاق” أي أنه يتطرق الى تلك الكتب التي قدمت أفكارا لم تخدم الحياة ولم تكن علمية أو منطقية أو مفيدة بل على العكس جلبت القمع والدمار للشعوب التي سارت عليها وتسببت في تخلفها وتأخرها عن باقي الأمم. بل أبعدت البعض عن الوجود ضمن المجتمع الدولي ولم يحضر سوى الديكتاتور وبالتالي خضعت تلك الشعوب للعزلة والتهميش والضياع.
كما تسببت أيضاً في حروب ومجاعات وموت الملايين دون ذنب سوى صدفة الوجود ضمن طائلة “فكر” أولئك الطغاة الذي يلزم الكثير من العنف الدموي لتطبيقه.
218- هل هُناك تعريف دقيق لـ”الدكتاتورية” تضمّنه الكتاب؟
الزائدي: الكتاب لا يسعى لتعريف الديكتاتورية وإن كان يفعل ذلك بتقديمه نماذجاً عن الطغاة بأشكالهم وأساليبهم المختلفة، من ديكتاتور يسعى للسيطرة على العالم مثل هتلر، إلى زعيم تابع في بلد فقير وصغير في مكان ما من العالم انتمى إلى حزب وتدرب على يديه ثم أعيد كزعيم لبلده مهمته إخضاع شعبه لمزاج ذلك الحزب. إلى حالم يتأمل سكون الصحراء لينتج كتباً يعيش معها شعبه في جوع وتخلف وفقر وعزلة مدعياً أنه الأكثر إنتاجاً واستقراراً وعدالة مستنداً مثلهم جميعا إلى سلاحي الديكتاتور الرئيسيين وهما الآلة الإعلامية والقمع الشديد.
يُقدم الكتاب ببساطة مجموعة من المؤلفات والكتب التي أصدرها مؤلفوها وهم في السلطة لكي يرسخوا بقاءهم فيها وبالتالي فهو لا يتحدث عن الدكتاتورية مباشرة بل عن الأدبيات التي قادت إلى نشوء الدكتاتورية وسيطرتها واستفحالها.
لطالما كانت الكتب مصدراً للمعرفة. يُفترض بديهياً أن تكون موثوقة. وقد استغل الطغاة هذه الميزة كما يقول الكاتب لضمان البقاء في الحكم وحيازة السلطة العظمى، وصارت الكلمات تفسّر حسب المطلوب لتناسب الظروف.
وفي هذا إشارة واضحة إلى دكتاتورية أي نظام حكم يعتمد على نصوص “مقدسة” لا تمس ولكنها في الوقت نفسه قابلة لإعادة التفسير حسب الرغبة. ثم بغض النظر عن هذا الأمر المربك. يشير الكتاب كذلك إلى الأهمية البديهية للنتائج الفعلية على أرض الواقع وهل أدت تلك الاجتهادات النظرية إلى شيء ما يغير الواقع إلى الأفضل. أم أنها واصلت كل مرة روجعت فيها عند اصطدامها بالواقع تكريسه وإعادة تقديم نفس الحلول القديمة في ثوب مختلف.
كأن الكتاب يقول إن تلك الكتب التي كتبها أولئك الطغاة لم تكن سوى كتب خيالية عن يوتوبيا تعد بها وتستولي على العقول في نوع فاضح من الكذب والدجل. فهي ليست قصصاً خيالية أصلاً وإلا اعتبرناها أدباً رخيصاً وانتهى الأمر بل تضمنت أفكاراً ونظريات سياسية واقتصادية واجتماعية مست حياة الناس ومصائرهم وقادتهم من بؤس وتعاسة وتخلُّف إلى المزيد والمزيد من العنف والدم حتى الغرق.
218- ما هي الإضافة التي تراها في ترجمتك لكتاب “المكتبة الجهنمية”، للمكتبة العربية أو الليبية؟
الزائدي: نعم ليست كل الكتب جيدة ومفيدة لحياة الناس – هذه إحدى مقولات الكتاب. فالكتاب يمكنه أن يجعل الأمور السيئة أكثر سوءاً. عملت على هذا الكتاب الذي أتقدم بالشكر الجزيل للناشر الأستاذ أيمن الغزالي ودار نينوى للدراسات والنشر والتوزيع على إتاحة الفرصة لنشره وتكبد عناء ذلك، لأني رغبت في أن يطّلع جيل جديد من القراء على أشياء لم يعاصروها وهم يسمعون عنها. في الوقت الراهن وبعد كل تلك التجارب الأيديولوجية والمصطلحات التي ولدتها وقد فشل العديد منها سياسيا واقتصاديا واجتماعيا بعد تحولها إلى سياسات لإفقار وإضعاف الشعوب والتحكم فيها وقهرها. كل ذلك يتطلب مراجعة وإعادة قراءة لتلك الأفكار التجارب من زوايا مختلفة، لأسباب كثيرة لعل أهمها منع عودة تلك المآسي من الظهور في أشكال أخرى.
يُقدم الكتاب رؤيته للديكتاتورية من إحدى الزوايا وقد يكون ركز على أيديولوجية معينة وأدبياتها مستكشفاً الملامح الكبيرة لتلك الأنظمة التي نتجت عنها. والتي فرضت على شعوبها والشعوب التي أخضعتها أو سعت إلى إخضاعها.
أما لماذا أطمح لجيل جديد من القراء فالأمر واضح، فالعديد من القراء الذين عاصروا هذه التجارب هم إما من المقتنعين بصواب تلك الأفكار الهرائية التي اعتنقوها في سن المراهقة وقادتهم لها ضرورات البقاء والعيش في زمن الديكتاتور وهي أفكار لم ولن تغني أو تسمن من جوع إلا لمن يضمنون بقاء الآلة تعمل، وهم قد يهاجمون الكتاب ويعتبرونه مسيئاً. أو من الأكثرية التي استلذت الخدر الذي عاشت فيه مغيبة عن الواقع وتحدياته وصعوباته التي يجب على الأحياء الحقيقيين السعي للتغلب عليها وهم بالتالي راضون بالعيش في ظل الكرسي الضخم الذي كان يجثم عليهم يتناولون الفتات وينتظرون موتهم متعفنين بهدوء. متخلصين من مشقة فعل أي شيء.
ثم كما ينوه الكاتب في المقدمة تتعالى الأصوات الآن بشعارات تعالت فيما مضى وتبين أنها شعارات جوفاء، لكن من يرفعونها الآن كما يقول هم أقل قراءة واطلاعاً ممن سبقهم.
لذا فالكتاب لا يقول كل شيء، بل هو دعوة لمزيد من البحث والقراءة. وهكذا ينجح في إثارة الفضول والشك وهما أساسيان جدا لتكوين أي معرفة جادة وحقيقية. إذ يكمن خطر الكتب الديكتاتورية في أن “حماقتها الشديدة تجعل من المستحيل تصديق قدرتها على التسلل وتغيير العقول قبل فوات الأوان”. لذا يكون مفيدا تخصيص الوقت لقراءتها ودراستها.