الرفيق فيديل.. بورتريه وبروفيل
نورالدين خليفة النمر
كلمة” Vernissage” تعني اليوم العروض المقترحة للوحات والأعمال الفنية وأصل الكلمة أو جذرها أتٍ من” firnissten ” وتعني في القديم الفنان العارض لفنه ،بينما تعني اليوم المستخدم الذي تكون له الدراية بفن العرض في الـ Galerie المحل الذي يعرض الأعمال الفنية لبيعها . وعارض اليوم هو مبرمج الفُرجة الفنية في المتاحف والذي ليس شرطاً أن يكون رسّاما أو مصوراً أو منحّتاً او فوتوغرافيا فقط تكون له دراية بجماليات العرض التي يكتسبها معرفياً بالألمام بتاريخ الفنون وأستطيقيات تذوّقها .
علم الأستطيقا أو درس الجماليات بالمعنى الذي اقترحته به عندما كنت أستطيقياً لطلاب كلية الفنون بطرابلس هو بمعنى ما ومبسط ترتيب أو عرض الأعمال الفنية بالأفكار لإنتاج حالة تذّوق لها يمكننا تفهمها بها . وهو ما علمته لطلابي أعوام الـ90،89، و1991 محاولاً تقرّيبهم بصعوبة من سقالة العرض، وهم لاشك يذكرون مقارباتي الفني بالسياسي في رسومات فن عصر النهضة ،ويذكرون كيف كنت أقارن لمسات فرشاة الفنان النهضوي الفاتن “رافائيل” بلمسات أفكار معاصره السياسي العظيم ” نيقولا ميكيافيلي” صاحب المقولة النافذة المستخدمة من طرف السياسيين حتى يومنا : ” الغاية تبرر الوسيلة “كقاعدة من قواعد أصول الحكم.. ينجح من يأخذ بها من الحكّام ويفشل من لا يتبعها، وهو ما فصلّه بألمعية في “مطارحاته”و كتابه العبقري “الأمير“.
فن المسرح، الكوميديا الذي كتب فيها ميكيافيلي مسرحيات فكاهية يوجد به مبدأ يسميه المسرحيون بـ«لحظة الاستنارة» نقطة التصحيح في كوميديا الأخطاء التي كتب فيها شكسبير مسرحية بهذا الأسم . وهي نفس الأخطاء تقريبا التي تتناولها الفلسفة والفكر الباحث في حياة السلطة المديدة لعقود للقادة الثوريين الذين يصيرون مع الزمن تاريخيين كحالة الزعيم كاستروا الذي قاد بلاده بدون هوادة أو هدنة 46 سنة في المواجهة الدائمة لكائن أو عدو نصفه مصطنع هو الأمبريالية . السؤال هو إذا ماكان ثمة وجود للحظة استراحة محارب أو نقطة استنارة يعيد بها القادة تصحيح مساراتهم، ويعملون بجد على التخلص مما راكموه من أخطاء؟ وهم يشرعون بالسير تماماً في وسط طريق السلطة بحماسة ترتكب نفس أخطاء الكوميديا..سأل الكاتب الساحر “غبرائيل غارسيا ماركيز” صديقه كاسترو وقد رأه مثقلاً بعبء مصائر الكثير من الناس: “ما هو الشيء الذي تتمنى أن تفعله أكثر من أي شيء آخر“. فأجابه على الفور: “الوقوف على ناصية الطريق“.
لقد نبّهتُ تمهيداً لما كتبته حول نتيجة الانتخابات الأميركية المقرّرة للأسف معنوياً ومادياً شئنا أم أبينا موتنا أو حياتنا، متابعيَّ ما أكتبه في صفحتي على “الفيس بوك” إلى الالتفات إلى ما أرفقه من صور بمقالاتي وإدراجاتي وهي صور مكمّلة لها. وأحيانا تكون الكتابة مكملّة للصور. وفي كثير من الأحيان كنت أبحث لساعات عن صور تخدم غرض مقالي متمنياً يوما أكتب فيه مقالاً يتكون فقط من صور دون كلمات فعالم أو عصر ما بعد الحداثة الذي نعيشه والمذكورة عناصره ومقوّماته وتقنياته في مئات الكتب والمباحث يسمّى بتسمية من تسمياته بعصر الصورة،حيث نهض في بداية سبعينيات الـقرن الــ20 في الغرب الحضاري السبّاق في مجال معرفي جديد يقوم على قراءة الصورة والعلامة”الإشهارية ، أو الإعلانية” وهي (العلاماتية) كان من أبرز مفكريها رولان بارت،وجيل دولوز، وإمبيرتو إيكو، ورجيس دوبريه وغيرهم .
وأنا أحضّر المادة الفكرية لمقالي مرثيتي في الزعيم الثوري الكوبي الراحل منذ أيام عن عالمنا “فيديل كاسترو” سعيت كعادتي في كل ما أكتبه في المواقع الليبية من مقالات في السياسة والفكر وأنشره تالياً في صفحتي الشخصية على الفيس بوك أن أستعين بمحرك البحث Google لإعانة كلماتي وأفكاري بالصور. مستخدماً درايتي وخبرتي كـ “أستطيقي سابق” في ترتيب السيرة السياسية للزعيم الثوري الشهير كاسترو باستخدام ثنائية : البورتريه / بروفيل.التقنية المستخدمة من زمان فناني “عصر النهضة” العظماء . بالتأمل في الصور اكتشفت منحىً طريفاً في تمظهرات “الكاريزما” ربما يكون عوناً في البحث في شخصية كاسترو السياسية . حيث يلحظ المرء أن “كاسترو” غالبا ما يتصدّر البورتريه ملقياً بـ “الآخرين” في مصير البروفيل الجانبي الذي تتعدى فعاليته ليشمل زعماء سياسيين لاتينيين كـ: شافيز وأورتيغا،وأفارقة حتى ناصر ومنديلا الذين لا يسعهما كاريزمياً لا بروفيل ولا بورتريه ، وقيادة روحية مسيحية عظمى كيوحنا بولس السادس، ونسخ كوربون بوليسية لساسة أمبراطوريات غاربة كفلاديمير بوتين.عدا كتاب عظام كهمنغواي وماركيز . مع العلم بأن كاسترو التقاه وتصوّر معه العشرات من المشاهير الذين لم يُتّفق تاريخياً على إدراجهم في سُلم قادة العالم . إلا أن الاكتشاف الأنكى أن البروفيلية شملت رفقاء النضال والثورة مثل الثائر الأممي العظيم إرنستو تشي جيفارا،الذي تخلى عنه كاسترو ليموت وحيداً في الغابة البوليفية، والجنرال الشعبي “أوشوا” الذي أعدمه عام 1989 في بروفيل الموت . فقط يستبدل كاسترو القاعدة باستثناء له هدف سياسي بأن يكون هو “فيديل كاسترو”في البروفيل وأخوه “راؤول كاسترو” في البورتريه تمهيدياً فنيّاً تصويريا لخلافته في قيادة جزيرة كوبا الطوباوية الثورية وهو للأسف ماحدث .
الكاتب الكولومبي “ماركيز” يعدّد مثمناً مناقب صديقه كاسترو في مقاله “فيدل كاسترو… الذي أعرفه ” الذي يمكن عدّه من حواشي رواية ماركيز المتشائلة “الجنرال في متاهته “فمن براعات الكاريزما الكاستروية “الشعبوية” التي منبر الخطابة هو أفضل أماكنها طرائق كاسترو المعبرة عن حبه إعداد الصيغ بإضفاء وهج علمي عليها،وإجادته الوصول إلى نفس مستوى الآخر، متسلحاً بالكم الهائل من المعلومات المتشعبة والمتنوعة. و إنمساسه بتفاصيل الأشياء، وإمتلاكه لغة خاصة لكل مناسبة، ونهجاً مختلفاً للإقناع، وفقاً لطبيعة مستمعيه، فالتكرار هو أحد أساليب عمله ، وتكتيكه الأهم هو في طرح أسئلة حول موضوعات يعرف إجابتها مسبقاً، كي يتأكد من صدقية معلوماته، وفي بعض الأحيان، ليقدر مستوى محاوره، ليعامله وفقاً لذلك، وهو لا يغفل أية فرصة للحصول على المعلومات.، لاصطناع يوتوبيا في جزيرة هي الأصغر بـ 84 مرة من حجم العدو اللدود، و بناء مجتمع متكامل، ومستقل، قادر على إحداث تغيير في مصير العالم.
المجتمع المتكامل الذي استهدفت بنائه بلاغيات كاسترو الثورية قرابة الـ50 عاماً سميّ في المخياليات الفلسفية بـ “اليوتوبيات” جزر “أطلنتس”التي تموضع اليوتوبيا الثورية ومنها الكوبية ضمنها . وهو ما فعله الكاتب البيروفي ماريو فارغاس يوسا الذي خسر صداقته الحميمة مع ماركيز بسبب كاسترو : الذي تحمس له في شبابه مُذ كان يسارياً يؤيده ، ويشيد بثورته؛ بأن اصطنع لكوبا كاسترو البروفيل الدستوبي الأورويلي، الصفة الأقرب للكافكاوي، التي تمنح النباهة لتلك السخافة الرهيبة، التي صُنعت من قِبل الأنظمة الشمولية في القرن العشرين، الديكتاتوريات الأكثر توحشًا وتعقيدًا في التاريخ، في تحكمها بأفعال وأحاسيس المجتمع. حيث يصف جورج أورويل في كتابه 1984، الجو البارد والموحش لتلك الإنسانية المحكومة من الأخ الأكبر، الحاكم المُطلق، والذي بواسطة مزيج مخيف من الرعب والتقنية، محق الحريات والمساواة والعفوية، وحول المجتمع إلى خلية نحل من البشر.