الراقص على رؤوس الثعابين
حسن العطار
أخيرا سقط الراقص على رؤوس الثعابين. لم تكن هذه النهاية المأساوية مفاجئة لمن يقرأ التاريخ ويتابع الاحداث ويحللها، فهذه هي النهاية الطبيعية منذ قرون لأغلب الحكام الذين عاندوا وتحدوا التاريخ قديما وحديثا، ولم يعتبروا بمن سبقهم. الثعابين التي كان يراقصها على مدى 34 عاما تضخمت حتى أصبحت أفاعي لا يمكن ترويضها، بل أصبحت قادرة على التهام من يراقصها او ان تموت دون ذلك.
وصل “علي عبد الله صالح” الى السلطة في اليمن عام 1978م بعد مقتل الرئيس “احمد الغشمي” في ظروف غامضة بفترة قصيرة، ويقال ان “صالح” كان ضالعا مع آخرين في تصفية “الغشمي”. وكان للمؤسسة العسكرية دور كبير في إيصاله الى الحكم، حيث تم اختياره في مقر القيادة العامة للجيش قبل ترشيحه وانتخابه. اول قرار اتخذه بعد حوالي ثلاثة أشهر من توليه السلطة كان إعدام ثلاثين شخصا بتهمة محاولة الانقلاب عليه.
عرف عن “صالح” انه رجل المتناقضات، كان يتحالف مع بعض القوى السياسية والدينية والقبلية اليمنية ثم ينقلب عليهم ويتحالف مع منافسيهم، وكان يمارس نفس السياسة مع دول الجوار العربي. هو صاحب القول المشهور: “إن الحكم في اليمن مثل الرقص على رؤوس الثعابين”، أي ان حكم اليمن لا يتم إلا بطرق ملتوية وبالتلاعب والمراوغة. يذكر أحد الصحفيين، الذي أجرى معه مقابلة قبل احداث الربيع العربي، انه سأله عن “الثعابين” التي يراقصها، فكان رده “ان تلك الثعابين أصبحت أفاعي”. تقول “ساره فيليبس” الخبيرة في الشؤون اليمنية في مقال كتبته في صحيفة “الجارديان” البريطانية: حكم “صالح” اليمن طوال هذه المدة عن طريق خلق البلبلة والأزمات، وفي كثير من الأحيان بث الخوف في أوساط السياسيين اليمنيين الذين يمكن أن يتحدوه او يشكلون خطرا عليه.
ما يثير التساؤل لدى الكثير من المحللين السياسيين هو تحالفه الأخير مع “الحوثيين” الذي خاض ضدهم ستة حروب وقعت بين عام 2002م الى عام 2009م، قتل في إحداها (سبتمبر 2004م) زعيم “الحوثيين” وقتها “حسين بدر الدين الحوثي” الأخ الأكبر لزعيمهم الحالي “عبد الملك الحوثي”. في العرف القبلي هذا يعني ان هناك ثأر بينه وبينهم لا يمكن تجاوزه ولو طال الزمن، “النفس بالنفس والبادئ أظلم”.
هذا التحالف الغريب والمريب بين “أعداء الأمس” مكن الحوثيين من السيطرة على العاصمة “صنعاء” بمساعدة الحرس الجمهوري التابع “لصالح” والقوات الموالية له في الجيش اليمني. بعد دخول “الحوثيين” صنعاء وتثبيت اقدامهم على ارضها، تمكنوا من السيطرة على اغلب أسلحة الدولة من المدافع والدبابات ومنظومة الصواريخ البالستية. كما سيطروا على مؤسسات الدولة الإدارية والإعلامية والأمنية بحيث أصبح “صالح” وقادة حزبه “المؤتمر” تابعين للحوثيين.
في تقديري الشخصي، ان تحالفه الأخير مع “الحوثيين” ألد اعداءه كان لسببين. الأول هو الانتقام من الشعب اليمني الذي ثار عليه وأصر على تنحيه عن الحكم. والثاني هو نكاية بحكام دول الخليج العربي الذين أرغموه على التنازل عن السلطة درئا للفتنة وحقنا لدماء الشعب اليمني.
لم يكن اليمن خلال فترة حكمه “سعيدا” كما يجري وصفه عادة، إذ انتشر الفساد في عهده، وصنفت البلاد بأنها من أكثر دول العالم فسادا وفق تقارير منظمات دولية. وقالت منظمة الشفافية الدولية إن قطاعات في الجيش ورجال أعمال سيطروا على الاقتصاد، وتورطوا في قضايا فساد عدة، وتذيلت اليمن قائمة منظمة الشفافية الدولية، وكان كل شيء في اليمن يوحي بالذبول، وكانت النتائج الطبيعية للحكم الديكتاتوري تظهر على وجه البلد المنكوب.
في هذه الظروف العصيبة، يبدو ان اليمن مقبل على أيام عصيبة، وربما بحر من الدماء والدمار لفترة طويلة، وقد يصيب شررها بعض دول الجوار. الديمقراطية والحكم الصالح لا يتحققان في الدول القائمة على القبلية والعشائرية والطائفية الدينية.
يقول الأديب البريطاني الشهير “ألدوس هكسلي” صاحب الرواية الشهيرة “عالم مقدام جديد”: إن أهم درس يمكن أن نستفيده من التاريخ هو أن البشر لا يستفيدون كثيرا من دروس التاريخ.
ومن المأثورات في الأدب العربي:
آخر الكلام: هل يتعظ الحكام العرب من هذه الدروس، ام على قلوب اقفالها.