الرئيسة كمالا
فرج عبدالسلام
في تاريخ الولايات المتحدة، الدولة الأكثر قوة ورُقيّا في العالم في مجالات لا تحصى ولا تُعد، كانت هناك مراتٌ نادرة في العصر الحديث، عندما حاول التيار التقدمي الإصلاحي الاستجابة لمتطلبات المرحلة الراهنة وإعطاء الإناثِ مكانة وصوتا يليق بهن في هذا العصر المضطرب والمليء بالمستجدات… أولى تلك المحاولات الجريئة كانت عام 1984 مع اختيارِ “جيرالدين فيرارو” لتخوض السباق الرئاسي كنائبة للمرشح الديموقراطي والتر مونديل، وبالرغم من الحضور الباهر الذي أبدتهُ وخطابها الرائع في مؤتمر الحزب، وما أثارته من حماس عام في البلاد، إلا أنه في النهاية، لم تحظ تذكرتهما بالدعم الكافي على نطاق واسع، وهُزم مونديل وفيرارو بأغلبية ساحقة على يد رونالد ريغان الذي وُصف بأنه أبلغُ الرؤساء الأميركيين خطابة، ولا غرو في ذلك، فربما ساعدته مهنته السابقة كممثّل في الاستحواذ على قلوب وعقول مستمعيه… وهكذا لم يُكتب النجاح لهذه التجربة المتعلقة بتمكين المرأة لتتبوّأ ثاني أرفع منصب في الدولة الأعظم.
تكرّرت التجربة بعد ذلك في العام 2008 عندما اختار المرشح الجمهوري العتيد “جون ماكين” حاكمةَ ولاية ألاسكا النائية “سارة بايلن” لتكون نائبته في السباق الرئاسي، لكن سوء حظهما أن من ينافسهما في الطرف المقابل كان باراك أوباما، وكانت البلاد في حالة اندهاش ورغبة في وصول أول رئيس أسود للحكم، كما كانت متعطشة للتخلص من الجمهوريين الذين ورطوها في حربي أفغانستان والعراق. مع ضرورة الإشارة كذلك إلى أن المرشحة بايلن لم تكن في المستوى المأمول، فهي خرقاء إلى حدّما وعديمة الخبرة تماما في السياسة الخارجية، وأشهر سقطاتها خلال لقاء تلفزيوني حين قالت إن بإمكانها رؤية روسيا من نافذة منزلها في آلاسكا، ولم تتذكّر حتى اسم مجلة أو صحيفة تداوم على قراءتها، وتعرضت لحملة تندّر ونقدٍ قاسٍ حين تبيّن أنها أنفقت نحو مائة وخمسين ألف دولار لشراء ثياب وإكسسوارات بعدما علمت باختيارها مرشحة كنائبة للرئيس.
هناك عواملٌ عديدة تجعل السباق الرئاسي الأميركي مختلفا هذه المرة وهو ما يقود إلى الاستنتاج باحتمال وصول سقف التوقعات إلى مداها الأقصى، وما يتيح للمرة الأولى أن تحتل امرأةٌ أميركية ثاني أخطر منصب في العالم.
ما يجعل ترشيح كامالا حدثا مختلفا أنها وُلدت في كاليفورنيا، لأبوين مهاجرين؛ من أمٍّ هندية وأبٍ جامايكي. وأن كامالا على ارتباط وثيق بتراثها الهندي، حيث رافقت والدتها لزيارة الهند عدة مرات. وأنها تبنت ثقافة السود منذ طفولتها. وعانت من آثار التمييز العنصري الذي كان يلفظ أنفاسه الأخيرة بشكل رسميّ حين كانت ترتاد المدرسة في حافلات مخصصة للسود. وكتبت في سيرتها الذاتية أن والدتها “كانت تعلم أن موطنها الجديد الذي قررت الانتماء إليه، سينظر إليّ وإلى أختي مايا على أننا فتاتين سوداوين، لكنها تصرُّ على التأكّد من أننا سنصبح امرأتين سوداوين واثقتين وفخورتين بنفسيهما”. وتقول هاريس إنها كانت دائماً منسجمة مع هويتها العرقية وتصف نفسها ببساطة بأنها “أميركية”.
لكن الأهمّ في هذا الحدث أنه سيُسجّل تاريخا فريدا في مجال تمكين النساء، فبعد فشل هيلاري كلنتون في الوصول إلى المنصب في الانتخابات السابقة بالرغم من فوزها في التصويت الشعبي… ستحظى كمالا بالفرصة التي لم تُتح لنساء سبقنها، وإذا لم يكمل بايدن عهدته لسببا ما، ستعتلي كمالا سدّة الرئاسة، وإن لم يحدث ذلك، ستظلُّ تحتفظ بفرصة الترشح للولاية القادمة، لأن العجوز بايدن سيكون أكبر سنّا وأضعف صحة مما يؤهله للترشح لولاية ثانية. وأثبت في خطابها المرتجل بالأمس أنها خطيبة مفوّهة وقادرة على المضيّ في هذا الطريق لتحقيق الانتصار.
لطالما قالت هاريس إن هُويتها تجعلها مناسبة بشكل فريد لتمثيل المهمشين، والآن بعد أن اختيرت نائبة للمرشح الرئاسي، فقد تحصل على فرصة للقيام بذلك من داخل البيت الأبيض وتغيّر من مسيرة التاريخ في الولايات المتحدة وفي العالم.