الديكتاتور المثقف
سمير عطا الله
نفرت من الفاشية قبل أن أعرف عنها الكثير، ثم ازددت نفوراً منها كلما ازدادت معرفتي بتاريخها الماضي، أو آثارها اللاحقة. ولا أعتقد أنه مرَّ عام من دون أن أقرأ كتاباً جديداً عن رمزها الأول، بنيتو موسوليني. كان واحداً من ثلاثة رموز طغيانية عرفها العالم خلال الحرب العالمية الثانية. الآخران كانا أدولف هتلر وجوزيف ستالين. وإلى اليوم، لا تمر فترة إلا ويصدر كتاب جديد عن هتلر أو ستالين. أما موسوليني، فرغم مجموع ما صدر عنه، بقي عددها قليلاً بالمقارنة، لأن إيطاليا لم تكن في الحرب، أو بعدها، سوى دولة عادية. حتى هو كان يقول: إنه، بعكس هتلر، رئيس درجة أولى لدولة درجة ثانية، فيما الزعيم النازي رئيس درجة ثانية لدولة من الدرجة الأولى.
إذن، قرأت عن موسوليني الكثير، أو ما يكفي، لكن لم يخطر لي مرة أن أقرأ له. ولماذا أفعل في أي حال؟ فإن معظم الديكتاتوريين ماهرون في تبرير أعمالهم. لكنني عندما قرأت حوارات موسوليني مع المؤرخ والمفكر الألماني إميل لودفيغ، وجدتني أمام موسوليني الذي لا أعرف عنه شيئاً: قارئ نهم للتاريخ، وتلميذ جيد للحضارات، ونظرة ثاقبة إلى سابقيه أو معاصريه، ومن قادة ومفكرين وآيديولوجيين. والأكثر أهمية، معرفة واسعة في شؤون الحكم وإدارة الدولة.
ماذا حدث إذن؟ كيف ينزلق مثل هذا المثقف إلى مثل هذا الدور وهذه الشخصية؟ يقول في حواره مع لودفيغ إن نابليون كان شخصية مليئة بالمتناقضات. ولو تمهل قليلاً لتعلم الدرس هو كذلك. عندما تقرأ عن موسوليني، ثم تقرأ له، ترى أنه كان شخصية مليئة بالمتناقضات. يصف نابليون بأنه كان مهووساً بالسلطة والتوسع الإمبراطوري والحروب! ألم يكن هو، أو بالأحرى، ألم يصبح نسخة مصغرة، يتدافع مع القوى الإمبراطورية الأخرى في احتلال أفريقيا؟ درس الآخرين دراسة في غاية الذكاء، لكن يبدو أنه لم يصرف الكثير من الوقت في دراسة نفسه وإمكاناته ومقدرات بلاده وميزان – أو هفوات – شعبه.
دار هذا الحوار العام 1933: موسوليني يتحدث عن وحدة أوروبية، برغم صعوبتها. لكننا نراه لاحقاً إلى جانب هتلر في غزو القارة وطحنها! وعندما يسأله لودفيغ إن كان يمكن للناس أن تحب الديكتاتور، يجيب بالفرنسية: «شرط أن تخافه الجماهير في الوقت نفسه. الجماهير مثل النساء، تحب الرجال الأقوياء».
كان موسوليني يتلقى 30 ألف رسالة إعجاب من النساء كل شهر. وله أبناء كثيرون من خارج الزواج، بعكس حليفه هتلر الذي عرف عنه العلاقة مع عشيقة واحدة. وقد مات كلاهما إلى جانب عشيقته، موسوليني قتلاً على أيدي الشيوعيين، وهتلر انتحاراً بيده ومسدسه.