“الدولة” الليبية.. ودوامة الفشل
218TV.net خاص
عمر أبو القاسم الككلي
مصطلح “الدولة الفاشلة” حديث الظهور نسبيا. فثمة من يربط ظهوره ببداية ثمانينيات القرن الماضي 1. وثمة من يربطه بتسعينياته 2. وهو مصطلح ذو مدلول سلبي 2، يمس كيان الدولة. إذ يدل على تزعزع ثوابتها وتدهور هيبتها ومكانتها ويشكك في قدرتها على الاستمرار كدولة.
لا يوجد 1 تعريف جامع مانع لهذا المفهوم، فهو يختلط 2بمفاهيم أخرى مشابهة مثل الدولة الهشة، والدولة الضعيفة والدولة الرخوة واللادولة. ورغم وجود محاولات للتمييز 2 بين هذه المستويات بحيث أشار بعضها إلى فوارق في الدرجة وأشار بعضها الآخر إلى اختلافات جوهرية في المضمون، إلا أن الاستخدام المترادف ظل سمة أساسية 2 في الكتابات الأكاديمة إلى درجة أن التقرير السنوي 2 الذي يصدره “صندوق السلام” التابع لهيئة الأمم المتحدة بالتعاون مع مجلة Foreign Policy منذ سنة 2005بعنوان “الدول الفاشلة” كان يصدر في بعض السنوات باسم الدول الهشة وفي سنوات أخرى باسم الدول الفاشلة مع ثبات المعايير التي يقيم على أساسها الدول في الحالتين 2. إلا أنه يمكن الأخذ بالتعريف الذي يعرف “الدولة الفاشلة” بأنها “الدولة الضعيفة أو غير القادرة في [على] السيطرة على شعبها أو أراضيها المختلفة، ولا تمتلك إلا القليل من السيطرة على جزء كبير من أراضيها.” 3.
وتعد ليبيا من الدول الفاشلة. فبعد 2 أن كان ترتيبها على سلم الفشل2، حسب التقرير المشار إليه ، 111سنة 2011، صعدت إلى المرتبة 25 سنة 2016. ورغم مرور ست سنوات على الإطاحة بنظام القذافي “لم ينجح الليبيون […] في صياغة نظام حكم انتقالي واضح يدير المرحلة الانتقالية، ويساعد في إعادة بناء الدولة.” 4. إذ تجري استقطابات حادة ويدور تطاحن شديد بين أطراف متعددة حول شرعية المؤسسات السياسية الانتقالية وطبيعة الجيش والقوى الأمنية وشكل الدولة وطبيعة الحكم وتوزيع الثروة. ومن الممكن عزو الفشل الذريع الذي تشهده ليبيا حاليا إلى جملة من الأسباب المتضافرة. فتاريخيا “لعب غياب حكم سياسي ذي كفاءة وفعالية في ليبيا دورا مؤثرا في غياب تراكم حقيقي لخبرة الدولة التاريخية. فمراحل التغيير* التي عرفها نظام الحكم في ليبيا قوضت من عملية التراكم، وأسهمت في إفراغ الدولة من عنصر الخبرة اللازم لتسيير الجهاز البيروقاطي في البلاد.” 4. كما أن قانون العزل السياسي أسهم 4 هو الآخر في تفريغ الدولة من عناصر ذات خبرة أثر غيابها تأثيرا كبيرا في ظهور الفشل الوظيفي للدولة.”ولم تركز النخبة المحلية الجديدة التي تصدرت المشهد عقبسقوط نظام القذافي، على محاولة بناء الدولة، وتقديم رؤيةوطنية لمعالجة الصراع الاجتماعي الممتد بقدر تركيزها علىالاستحواذ، وبناء سلطتها الخاصة.” 4.
ويحدد كامل عبد الله 4، عوامل فشل الدولة في ليبيا في عدم فعالية النظام السياسي، الذي أشرنا إليه أعلاه، والبناء الاجتماعي للدولة في ليبيا الذي تلعب القبيلة فيه، سياسيا واجتماعيا، دورا مركزيا دون تحديد واضح للعلاقة “بين الاجتماعي والسياسي والاقتصادي وما هي الحدود التي تقف عندها الجماعات الاجتماعية في استخدام السياسي والاقتصادي في الصراع على السلطة.” 4. كما يشير الكاتب إلى عامل الاقتصاد الريعي حيث يمثل النفط 98% من صادرات الدولة وإراداتها. أي غياب الإنتاج عن الاقتصاد الليبي. هناك أيضا ضعف أداء النخبة السياسية، الذي أشرنا إليه أعلاه، وضعف الأمن الرسمي وانتشار المجموعات المسلحة، وغياب الإطار الدستوري، وانتشار جماعات التطرف العنيف، والتدخل الخارجي ودوره في مفاقمة عوامل الفشل، وتأثير تنافس القوى الإقليمية المجاورة.
وهي عوامل يتضافر فيها البنيوي المتأصل بالطاريء العارض.
1- د. داليا رشدي، النظريات القاصرة: لماذا تستعصي “إعادة بناء” الدولة في الشرق الأوسط؟، في: تحولات استراتيجية على خريطة السياسة الدولية، ملحق مجلة السياسة الدولية عدد أبريل 2017
2- د. دلال محمود السيد، متلازمة التدهور: بحثا عن مقاربة نظرية لفشل الدولة في الشرق الأوسط، في: تحولاتاستراتيجية على خريطة السياسة الدولية، ملحق مجلةالسياسة الدولية عدد أبريل 2017
3- د. رامي عاشور، فشل التأسيس: جنوب السودان من الانفصال إلى التردي في الصراع الإثنى، في: تحولاتاستراتيجية على خريطة السياسة الدولية، ملحق مجلةالسياسة الدولية عدد أبريل 2017
4- كامل عبد الله، الدائرة المفرغة: تغييب الدولة في ليبيا من معضلة التأسيس إلى نخب الانقسام، في: تحولاتاستراتيجية على خريطة السياسة الدولية، ملحق مجلةالسياسة الدولية عدد أبريل 2017
* في سرده لتعاقب الأنظمة السياسية في ليبيا يذكر الكاتب أن النظام الجماهيري أعلن سنة 1972. والواقع أنه أعلن سنة 1977. يبدو أن الكاتب خلط في هذا بين بداية الحديث عن “النظرية العالمية الثالثة” وإعلان النظام الجماهيري.