الدخول في الممنوع
طارق الشناوي
قد ينسى الفنان مع الزمن أنه قد أخفق في أغنية أو شريط أو فيلم، وقد يوجه له جمهوره عتاباً قاسياً، يتقبله بصدر رحب، إلا في حالة واحدة، فهو لا يتسامح أبداً مع فنان من نفس المهنة، يوجه إليه عتاباً علنياً، كما أن جمهور الفنان يُصبح أشد ضراوة في إعلان الغضب.
مؤخراً وجه المطرب اللبناني اللامع وائل جسار نقداً لاذعاً للفنان الكبير جورج وسوف، وصل إلى درجة أن يطالبه بالاعتزال، كان وائل حسن النية، وربما فعلها بدافع الحب لتاريخ جورج، وقد تجد بحياد وموضوعية، لو تأملت رأيه أن ما قاله ينطوي على قدرٍ من الصدق، وبالفعل جورج فقد الكثير من إمكانياته الصوتية والحركية في السنوات الخمس الأخيرة، إلا أن رد فعل الجمهور في هذه الحالة يتسم بالعنف والغضب، وهو ما حدث مع وائل، حيث انهالت عليه الكلمات الغاضبة في «السوشيال ميديا»، مما اضطره للتراجع والاعتذار، مؤكداً أنه تلميذ من مدرسة «وسوف» ويتمنى له الاستمرار في الساحة الغنائية.
قبل بضعة أشهر تعرض الملحن حلمي بكر لموقف مماثل، عندما طالب أحمد عدوية بأن يكتفي بهذا القدر، حلمي بطبعه لا يترك فناناً يمر في الحياة الفنية، ومن كل الأجيال، إلا ووجه إليه نقداً ولا يتراجع أبداً، إلا أنه هذه المرة، لم يصمد أمام شلالات الاستهجان، واضطر على الهواء وبحضور عدوية في الاستوديو، أن يتصل به ويعتذر له، وقبل عدوية بروح ابن البلد الاعتذار، بينما زوجة عدوية رفضت أن تسامحه.
وسبق للمطرب الشعبي سعد الصغير، أن وجه نقداً مشابهاً لشعبان عبد الرحيم وتراجع وقبل يده على الملأ.
أتذكر أن الملحنين حلمي بكر وصلاح الشرنوبي، أطلقا كلمات كلها استخفاف بآخر شريط قدمته، وردة قبل رحيلها بأشهر قليلة، وغضبت منهما، لأنهما أيضاً طالباها بالاعتزال، ووصل الأمر أنها أوصت وصيفتها، بألا تسمح لهما بحضور وداعها الأخير.
الفنان صعب أن يتقبل نقداً من زميل، مثلاً فريد الأطرش، كان يرى أن ألحانه ستعيش أكثر من الألحان التي يغنيها عبد الحليم حافظ، مما كان يُسفر عن خصام يدوم بينهما عدة سنوات.
نجاة عادت بعد أكثر من 15 عاماً للغناء بـ«كل الكلام»، وهاجم أكثر من ملحن عودتها للساحة، قالوا إن صوتها غير قادر على الأداء، وعليها مواصلة الاعتزال، إلا أن نجاة، وكعادتها لم تُعقب سوى بأنها قد صرحت للمقربين لها بإعلان مباشر أنها بصدد الإعداد لأغنيات أخرى.
الاعتزال بمثابة دخول في الممنوع، سلاح لا يجوز إشهاره في وجه الفنان، خاصة من فنان يلعب في نفس المساحة، مثلاً عادل إمام، بعض من زملائه طالبوه بالاعتزال، أثناء عرض مسلسله الأخير «عفاريت عدلي علام»، وجاء الرد العملي أنه سيواصل العمل مع ابنه المخرج رامي إمام في مسلسل رمضان 2018.
من أشهر دعوات الاعتزال تلك التي طالب فيها رياض السنباطي بعد قصيدة «الأطلال» عام 1966، من أم كلثوم أن يعلنا معاً الاعتزال، وهما في القمة، كان السنباطي لديه قناعة أنه وأم كلثوم لن يستطيعا تجاوز تلك الذروة، ولم توافقه أم كلثوم، الغريب أنه قدم لها بعدها أكثر من لحن رائع مثل «الثلاثية المقدسة» و«من أجل عينيك عشقت الهوى».
أم كلثوم رحلت عام 1975، وعاش بعدها رياض السنباطي 6 سنوات، ولم يتوقف عن التلحين، حتى أيامه الأخيرة، ونسي تماماً أنه صاحب فكرة الاعتزال.