الخوف من الخوف!
حسين شبكشي
الحديث متواصل ومستمر عن تطوير الخطاب الديني في العالم الإسلامي؛ صولات وجولات بين المؤيدين والمعارضين، بين الجامدين والمقدامين. ويبقى الحديث عن تجديد الخطاب الديني أسيراً للقالب التقليدي الذي أبقاه كما هو، ولذلك لديّ (ولدى غيري) قناعة بأن إصلاح الخطاب الديني الجذري حدث حقيقة مرة واحدة في آخر مائة عام، وكان ذلك خلال حقبة كمال أتاتورك في تركيا، الذي أبقى على الدين الإسلامي في دستور البلاد، ولكنه طبّق بشكل عملي الحديث الشريف «أنتم أعلم بأمور دنياكم»، واهتمّ بتأسيس دولة المؤسسات، وركّز على القضاء والبرلمان والحريات وتطوير الصناعة والاقتصاد.
وفي حقبته أيضاً برز أهم العلماء المسلمين التنويريين، أبو سعيد النورسي صاحب المؤلف الخالد «رسائل النور»، وقلّل من دور رجال الدين على أساس أن الإسلام ليس فيه رجال دين.
ولكن تجربة كمال أتاتورك هذه لم تتكرر، والسبب على ما يبدو هو «الخوف». الخوف أصبح العنصر الأكثر تأثيراً في الإبقاء على أي وضع أو رفض أي وضع، وخصوصاً في الشأن السياسي. واليوم لا توجد قوة مؤثرة أكثر من الخوف. الخوف يتفوق في التأثير على الأحزاب السياسية والقوى الاقتصادية ورجال الدين.
لنيكولو مكيافيلي المفكر السياسي الإيطالي الشهير، صاحب كتاب «الأمير»، مقولة شهيرة، هي «إذا لم تستطع أن تجعلهم يحبونك، اجعلهم يخافونك». ولم يجد الكاتب الأميركي ذائع الصيت بوب ودورد، عنواناً لكتابه الأكثر مبيعاً لوصف السنة الأولى لحكم الرئيس الأميركي دونالد ترمب سوى كلمة «الخوف». الخوف اليوم هو القوى المسيطرة على روسيا وإيران والصين وكوريا الشمالية من النظم الحاكمة فيها.
في لبنان وبعد اغتيال رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري، على أيدي تنظيم «حزب الله» الإرهابي، بات الخوف من لقاء نفس المصير هو المسيطر على الكتلة السياسية المؤيِّدة والمعارضة لـ«حزب الله». الخوف هو المسيطر على الاقتصاد وتداعياته، الخوف من الحرب المتصاعدة بين الصين وأميركا، الخوف من نتائج الانتخابات الرئاسية القادمة في أميركا وأثرها المحتمل على العالم بأسره. الخوف من فيروس «كورونا» (وغيره من الأمراض المستجدة).
لي صديق يعمل في الطب النفسي في دولة عربية، ويقول لي إن عدد مراجعيه زاد خلال العام بأكثر من 400%، وأغلب الحالات هي اضطرابات النوم والاكتئاب والتبول اللاإرادي وغير ذلك، ويرجعها كلها إلى عامل الخوف المتزايد.
الخوف دخل في السياسة والاقتصاد والخطاب الديني، فأزال البهجة والطمأنينة. والحكم بالخوف يولّد الكوابيس، وبناء الأمم يكون بصناعة خيال الأحلام لا مآسي الكوابيس.
الخوف وانتشاره بصور مختلفة حول العالم هو نموذج عملي لانعدام الثقة بالمؤسسات المختلفة التي نعيش معها. استعادة الثقة باتت مسألة حيوية.