“الحظ العطيب”
محمد خليفة إدريس
“مسكين حظه عطيب حتى في الامتحانات ما نجح” دفاعات بعض الأهالي عند رسوب أحد الأبناء، ودرجت العادة عند أغلب المذيعين ومقدمي البرامج عند الحديث عن نتائج الامتحانات أن يقولوا عند الحديث عن إحدى النتائج الدراسية “ألف مبروك للناجحين وبالتوفيق لكل من لم يحالفه الحظ” .. وطبعا بدأت بهذا المثال لأنه تكرر على مسامعي غير مرة خلال إعلان نتائج طلبة الشهادة الثانوية في المدارس التابعة للحكومة المؤقتة، وأتمنى أن لا يلوث سمعي بهذا الحديث عند إعلان نتائج “ثانوية” حكومة الوفاق، وفي تقديري لا مكان للحظ هنا فهي دراسة وامتحان وكلّ سيجني ثمار جهده بغض النظر عن ما قد يشوب هذه العملية من خروقات أو مخالفات، لكن الصورة الصحيحة لها مبنية على الدراسة والتجهيز وليس الحظ أو “البخت والنصيب”.
الحظ “المسكين” يحمل أوزار آثام لم يقترفها؛ فسرعان ما نرمي به في مواجهة أي فشل نواجهه، فالهروب إلى الأمام هو أفضل سبيل لتبرير الفشل.
وليست الدراسة من يظلم الحظ بسببها فقط ، فالزواج أيضا يرمى بنتائج فشله غالبا على الحظ العاثر في اختيار الشريك، رغم أن الحظ قد يمثل جزءا من نجاح وفشل العلاقة ولكنه يبقى عاملا ضمن مجموعة عوامل أخرى، ولا ينبغي أن نحمله وحده جريرة فشل هذه العلاقة، فمن يكون طرفا في الزيجات الفاشلة غالبا لا يكون ممن تعرف على شريكه بشكل جيد أو تزوج بشكل طبيعي، بل عبر الزواج الأسري المبني على اعتبارات وأولويات تختلف عن أولويات الطرف المقابل في مؤسسة الزواج، لكن مجتمعاتنا – في غالبيتها- سرعان ما ترمي التهم في وجه الحظ “المسيكين” ليحملها بمفرده، ويتلقى السباب والشتائم ويواجه مصيره وحيدا باللوم والتقريع.
من حسن حظي أنني لم أكن “حظا”… فالحظ مسكين في مجتمعنا القاصر – المنتمي للعالم الثالث – الذي يجعل كل شيء رهين للحظ، بعيدا عن التخطيط السليم والدراسات المتأنية، ولكن في أحايين قليلة قد يكون الحظ محظوظا!!
نعم الحظ يكون محظوظا عند الحديث عن نجاح شخص مجتهد في مشروع أو مؤسسة بعد تخطيط جيد منه لذلك، ينبري الفاشلون – غالبا – ليقولوا إن الحظ حالفه – لتبرير فشلهم – في حين أن التخطيط الجيد والإرادة هما ما ساعداه.
الحظ الذي يوليه كثير من سكان الدول المحبطة والمتأخرة عن ركب الحضارة، الكثير من الاهتمام ويحملونه مسؤولية النجاحات والفشل هو في الواقع أحد أبرز أسباب الفشل، حيث يركن غالبية الناس إليه، لغياب معرفتهم أن التخطيط والتنظيم والإدارة والدراسات والبحوث هي من تنهض بالمشاريع والمؤسسات والأمم وليس الحظ!!
هروب للأمام يقوم به غالبية الناس في محاولة يائسة للتنصل من المسؤولية لتكون النتيجة مزيدا من الفشل أو “الحظ العاثر” وفقا لحساباتهم.
وإذا أردنا أن نتقدم فلا بدّ لنا أن نعي أن الحظ ليس الأساس في نجاح كل شيء وأن نغرس هذا في عقول الأجيال القادمة لنحسن من “حظوظنا” في التقدم والنهضة.
وهنا أقول لك إن وصلت إلى هذا السطر من المقال فاعلم أنك محظوظ .. وبأنّ شغفك للمعرفة هو ما دفعك لإكمال القراءة.