الحرب والإنسان
طه البوسيفي
عالم ليس فيه حروب يعني ببساطة ليس فيه بشر. الحرب صديقة النوع البشري، عددها يكاد لا يحصى، أسبابها متشابهة تقريباً، جميعها يدور حول السلطة ونهم الحكم، حول حمية القبيلة، وحول قضايا الدم والشرف. الحروب سنةٌ سنها الإنسان لنفسه، والقتل قديم قدم العالم، منذ أن قتل قابيل أخاه هابيل، ولو كانوا حينها عشيرة، حتماً وبحسب السياقات التاريخية لقاتل بعضهم بعضاً ثأراً وانتقاما وشفاء للغليل.
الحروب تحدث في كل وقتٍ وحين، حتى في أكثر الدول حضارة وتقدماً معرفياً وإنسانياً، حرب الفتنة الرابعة كما تسمى حدثت ما بين الأمين والمأمون أبناء هارون الرشيد خامس خلفاء الدولة العباسية من مؤسسها السفاح إلى أبو محمد الهادي الذي لم يمكث سوى عامٍ واحد في القصر البغدادي. حينها قاتل الأخوان بعضهما طيلة أربع سنوات من خراسان إلى تخوم بغداد، الغريب واللافت أن فترة الرشيد كانت فترة علم وفن، ازدهرت فيها المعرفة وأسست فيها التجمعات العلمية، وترجمت فيها علوم اليونان إلى العربية، ساد فيها الشعر، وأطرب فيها الفنانون وبرزت فيها الحضارة الإسلامية، وكانت مدخلاً نحو فلسفة إسلامية لحقت بالفلسفات التي كانت سائدة في تلك الفترة وعمقت الحوارات اللاهوتية بين الأديان.
حين وُجد الإنسان، وجدت معه آلة الحرب صنعها كي يحمي نفسه من الآخر الغادر، والآخر الغادر هو في نظر نفسه مسالمٌ لكن الأول يشهر سيفه ليفتك به، فليس أمامه من سبيل سوى أن يتغذى به قبل أن يصبح مائدةً على العشاء.
وجد الإنسان على الأرض، كان سيفه وخنجره جاهزين على الدوام، تطورت الأمم، ارتقى الإنسان وارتقت معه الآلة الحربية، من المنجنيق إلى المدفع إلى الهاوزر إلى الطائرات الحربية إلى الصواريخ النووية. الآلة الحربية تسير بشكل متوازٍ مع الإنسان. يصنعها فتكون سبب هلاكه!.
تتسابق دول العالم الكبرى على تطوير الأسلحة والتقنية المساعدة، من حرب النجوم فترة الثمانينات، إلى حرب الصواريخ النووية متعددة الرؤوس والقادرة على المناورة في الهواء، وصولاً إلى حرب إسقاط الأقمار الصناعية المعلقة في السماء، الحرب القادمة هي حرب تكنولوجية بحتة، كل دولة تريد تطوير سلاح يسقط قمراً، وتريد الدفاع عن قمر من الممكن أن يسقطه صاروخ .
كثيرون كتبوا عن الإنسان والإنسانية، وأكثر منهم كتبوا عن أسباب اندلاع الحروب وصناعة الموت، وأكثر من الفصيلين كتب عن مسببات الحالتين وبواعثهما، أرسطو، أفلاطون، ميكافيلي، جون لوك، سبينوزا، مونتيسكيو، الماوردي، ابن تيمية، الشهرستاني، أبو يعلى الفراء، ابن خلدون والقائمة لا نهاية لها.
من الكتب التي أثارت رياح الجدل وحرّكت المياه الراكدة ، كان كتاب نهاية التاريخ للأمريكي الياباني فرنسيس فوكوياما تلميذ صموئيل هنتنقتون صاحب صدام الحضارات، تمحور كتاب فوكوياما على فكرة أن المجتمعات الليبرالية هي آخر ما سيصل إليه الإنسان في رحلة الأنسنة، وأن بقية المجتمعات غير الليبرالية سوف تتدثر في نهاية المطاف بعبائة الليبرالية سواءً أكان ذلك عاجلاً أم آجلاً ، لا مفر من الليبرالية بحسب فوكوياما.
كان كتاب فوكوياما عام 1996، مر على هذا التاريخ اليوم زُهاء اثنتين وعشرين سنة، شهد فيها العالم مجازر مروعة وحروب ضارية، من البوسنة إلى أفغانستان فالعراق فبورما فسوريا فاليمن، وليبيا كذلك بكل أسف وألم يعتصر القلب. تنوعت الحروب ومسبباتها، لكنها تفجرت كالبركان الغاضب يذيب الحجر والشجر والبشر.
عالم لا حرب فيه، لا إنسان فيه، ستنتهي الحروب حين يفنى الإنسان