مقالات مختارة

الجمهوريون ودافع الضرائب

برايس كوفيرت

كُشف خلال الأسبوع الماضي عن كنز من الوثائق حملت اسم وثائق «برادايس»، قدمت فكرة أكثر وضوحاً عن كيفية إبقاء الأثرياء والشركات القوية أموالهم بعيدة عن أعين هيئة العائدات الداخلية المتطفلة.

كانت شركة «آبل» تبحث عن ملاذ ضريبي آمن جديد عندما بدأت آيرلندا (ملاذها السابق) في ملاحقتها. وتلقت مساعدة من شركات محاماة متخصصة في الملاذات الضريبية الموجودة في الخارج لحماية خبيئتها، التي تبلغ 128 مليار دولار، داخل حدود جزيرة جيرسي بالقنال الإنجليزي. وظلت شركة «نايكي» لسنوات تتمتع بحقوق الملكية الفكرية في شركة تابعة لها توجد في برمودا، التي لا تخضع لقانون ضرائب، وفرضت تلك الشركة رسوماً على فروعها الأخرى.

ولدى «أبلباي»، شركة المحاماة التي تشغل قلب عملية تسريب الوثائق، 31 ألف عميل أميركي، أكثرهم يُعرفون بأنهم «أصحاب صافي ثروات هائل». وحسب ما أوضح الذين تم ذكرهم في الوثائق، فإن الكثير من تلك المناورات قانونية تماماً، لكن قيام الشركات والأثرياء بإخفاء أموالهم عن حكومتنا لا يمثل حقاً جريمة بلا ضحايا. قضى الخبير الاقتصادي غابرييل زوكمان، وزملاؤه سنوات طويلة في تقدير حجم الثروات، التي تم الاحتفاظ بها في ملاذات ضريبية تطبق معدلات ضرائب منخفضة، وتأثير ذلك على خزانة الدولة. ووجد أنه يتم إيداع 63 في المائة من الأرباح الأجنبية، التي تحققها شركات أميركية متعددة الجنسيات، في تلك الشركات التابعة والحسابات المصرفية، وهو ما يحرم الدولة من عائد ضريبي سنوي يبلغ نحو 70 مليار دولار.

ونحن نشعر بالقلق البالغ إزاء تكلفة البرامج الاجتماعية في هذا البلد، ونقول إننا لا نستطيع تحمل تكلفة الكثير من الأمور التي نعرف أنها قد تسهم في تحقيق منافع كبيرة، لكن قد تساعد الـ70 مليار دولار الضائعة بسبب ما تمارسه تلك الشركات من تهرب ضريبي، في إنجاز الكثير من الأمور. كان الرئيس باراك أوباما قد طلب من الكونغرس 75 مليار دولار لتمويل خطة مبدئية عامة خاصة بمرحلة تعليم ما قبل المدرسة، حيث تبلغ تكلفة تلك المرحلة المخصصة للأطفال، 98.4 مليار دولار على مدى أكثر من 10 سنوات.

ولم يطالب مشروع قانون «التعليم الجامعي للجميع»، الذي تقدم به بيرني ساندرز، عضو مجلس الشيوخ، الحكومة الفيدرالية بتحمل تكلفة مصروفات الجامعات الحكومية بالكامل، والبالغة 70 مليار دولار.
مع ذلك وحتى مع ظهور تلك الوثائق يريد الجمهوريون خفض الضرائب المفروضة على الشركات الكبرى والأثرياء. فعلياً لا توجد في الحزم الضريبية الخاصة بهم الكثير من الآليات القادرة على إلزام أي منهم بالقيام بذلك، بل سوف تجعلهم يحتفظون بالأموال في الخارج بعيداً عن الضرائب.

تضمنت الحزمة، التي تقدم بها مجلس النواب، فرض ضريبة جديدة على عائدات الملكية الفكرية التي تدفعها الشركات متعددة الجنسيات لشركات تابعة لها في الخارج. مع ذلك بعد احتجاج تلك الشركات متعددة الجنسيات، تم تعديل المقترح، بحيث يصبح تأثيره وفعاليته أقل بنسبة 95 في المائة. على الجانب الآخر، لم تتضمن نسخة أعضاء مجلس الشيوخ من الحزب الجمهوري هذا التعديل.

كذلك تدعو الحزمة المقترحة في مجلس النواب إلى فرض ضريبة مرة واحدة قدرها 7 في المائة، و14 في المائة، على العائدات التي تم تخزينها في الخارج، وضريبة نسبتها 10 في المائة على الـ«عائدات الضخمة» التي تحققها الشركة الأم التي يوجد مقرها في هذا البلد من خلال شركات أجنبية تابعة لها.

وتقترح نسخة التشريع المعروضة على مجلس الشيوخ خفض معدل الضريبة على العائدات التي يتم تحقيقها في الخارج.
تعمل خطة مجلس النواب على تحول البلاد إلى نظام ضريبي إقليمي، تسدد الشركات في إطاره الضرائب فقط على العائدات التي تجنيها داخل البلاد، في حين تخضع العائدات التي يتم تحقيقها في الخارج من خلال شركات تابعة أجنبية، للنظام الضريبي في تلك البلاد.

لا تلاحق أيٌّ من تلك الأحكام والقوانين الأثرياءَ، الذين يحتفظون بأموالهم في حسابات بالخارج، للتهرب من تسديد الضرائب، بل تقدم الحزمة المقترحة في مجلس النواب إلى هؤلاء الأشخاص أنفسهم مجموعة متنوعة من الهدايا المجانية من بينها ثغرة قانونية كبيرة من خلال خفض معدل الضريبة على الكيانات التجارية التي يساعدها هيكلها على تفادي الازدواج الضريبي، وإلغاء الضريبة البديلة.

المجموعات التي تتهرب من تسديد الضرائب بالفعل من خلال حسابات مصرفية في الخارج هي التي تتمتع بأكبر وأهم مزايا. أيضاً حسب مركز السياسات الضريبية يمكن للعائلات الأعلى دخلاً انتظار المكافأة الكبرى، حيث سيشهد أثرى أثرياء أميركا، الذين يمثلون 0.1 % من الأميركيين، خفض ضرائبهم بمتوسط قدره 278,370 دولاراً بحلول عام 2027، في حين سيحصل السكان الأكثر فقراً، الذين يمثلون خمسي عدد سكان البلاد، على نحو 25 دولاراً.

من المقرر أن تؤدي الخطة الضريبية، التي يقترحها الجمهوريون، إلى وضع جزء أكبر من العبء الضريبي على الفئة الأكثر ضعفاً والأقل قدرة على تحمل ذلك العبء. إن وثائق «برادايس» تسلط المزيد من الضوء على كيفية تلاعب الأثرياء والشخصيات النافذة بالنظام، لتفادي دفع ما كان من المفترض أن يَدينوا به للدولة. لماذا إذاً نمنحهم المزيد من المزايا والامتيازات؟

* خدمة «نيويورك تايمز»

…………………………

الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى