الإبادة الجماعية والتطهير العرقي
عمر أبو القاسم الككلي
تشكل الحرب والغزو جزءا مهما من سيرورة التاريخ البشري. فلقد عملت، إلى جانب مآسيها وكوارثها، على صهر الشعوب وتلاقح الثقافات وانتقال العلوم، وبذا أسهمت، بقدر وافر، في تطور الحضارة الإنسانية.
لكننا سنركز في هذا المقال على جانبين سلبيين، على مأساتين من مآسي الحروب والغزو. وهاتان المأساتان تتشابهان من جانب، وتتميزان من جانب آخر. فهما تشتركان في كونهما جريمة ضد الإنسانية، وتتميزان في طبيعتهما ومناهجهما ومداهما
*
هاتان المأساتان هما: الإبادة الجماعية genocide، والتطهير العرقي ethnic cleansing.
ظهر مصطلح الإبادة الجماعية سنة 1944 من قبل رفائيل لمكن. وتعرف اللجنة الدولية للصليب الأحمر، الإبادة الجماعية على أنها “الأفعال المرتكبة بقصد تدمير جماعة وطنية أو إثنية أو عرقية أو دينية، كليًا أو جزئيًا، بما في ذلك قتل أفراد تلك الجماعة، مما تسبب في إلحاق أضرار بدنية أو نفسية خطيرة بأفرادها، وإلحاق الأضرار الجماعية بأوضاع الحياة التي يقصد بها تدميرها المادي كليًا أو جزئيًا، وفرض إجراءات تهدف إلى منع الولادة داخل تلك الجماعة، ونقل أطفالها بالقوة إلى جماعة أخرى”. وبعض التعريفات تتوسع في مشمولات الإبادة الجماعية بحيث تشمل محاولة محو أي أثر تراثي مادي للجماعة المستهدفة بالإبادة من مثل المباني الأثرية والمعابد، كما تشمل مهاجمة المشاعر القومية والوجود الاقتصادي والديني، وهكذا تعد الأفعال التي تستهدف تدمير المستلزمات الحياتية لجماعة ما عنصرا من عناصر الإبادة الجماعية.
وهذا يعني أن المعتقلات الجماعية التي أقامتها إيطالية الفاشية على الأرض الليبية في شرق ليبيا من سنة 1929 إلى سنة 1934 والتي حشرت فيها أكثر من مئة ألف مواطن ليبي بمن فيهم الأطفال والنساء والمسنون، ينطبق عليها تعريف الإبادة الجماعية.
*
أما مصطلح “التطهير العرقي”، فرغم قدمه النسبي في بعض اللغات الأوربية، إلا أنه أعيد إحياؤه من خلال اللغة الإنغليزية عندما أطلقته سنة 1992 مراسلة البي بي سي في البوسنة أثناء الحرب التي دارت هناك.
و يُعرّف التطهير العرقي بأنه: “الإزالة الممنهجة القسرية لمجموعات إثنية أو عِرقية من منطقة معينة، وذلك مِن قبل مجموعة عرقية أخرى أقوى منها، غالباً بنيّة جعل المنطقة متجانسة عرقياً، وتتنوع أساليب القوى المُطبقة لتحقيق ذلك، كأشكال التهجير القسري (مثل الترحيل أو إعادة التوطين)، والترهيب، بالإضافة إلى الإبادة الجماعية والاغتصاب الإبادي.
يترافق التطهير العرقي عادة مع جهود مبذولة لإزالة الدلائل المادية والثقافية على وجود المجموعة المستهدَفة، من خلال تدمير منازلها، ومراكزها الاجتماعية، ومزارعها، وبُناها التحتية، وكذلك بتدنيس آثارها، ومقابرها ودور عبادتها”.
وهذا التعريف ينطبق هو الآخر على أعمال إيطاليا الفاشية في ليبيا. أما بالنسبة إلى ممارسات “إسرائيل” على الأراضي الفلسطينية، فرغم أنها ارتكبت عدة مذابح بين الفلسطيين إلا أنها لم تصل إلى حد الإبادة الجماعية، وإنما تدخل ضمن جهود التطهير العرقي من خلال عمليات التهجير القسري في السابق، والأعمال التي تمارسها الآن من خلال زحف المستوطنات على الأراضي الفلسطينية، التي يعترف العالم بأنها أراض تحت الاحتلال، وذلك للتضييق على الفلسطينيين وحشرهم في أراض ضيقة كثيفة السكان لجعلهم يعيشون أوضاعا قاسية.