الجلوة .. تهجير أهل هون !
عبدالوهاب قرينقو
في مثل هذا اليوم قبل ثمانية وثمانين عاماً يوم 15 يناير 1929 شرعت قوات المستعمر الإيطالي بتجميع كل سكان مدينة هون وأهلها على أبواب المدينة ومن ثم تهجيرهم تباعاً عن موطنهم فأُركِبوا في سيارات نقل حربية والبعض على ظهور الدواب وانطلقت رحلة النفي والمعاناة إلى الشمال .
أولى المحطات “بويرات الحسون” قرب سرت ومن هناك كان التحرك البحري بترحيلهم في سفن ومراكب متهالكة مخرت بهم عباب البحر إلى المعتقلات الفاشية في مصراتة والخمس حيث مكثوا لعامين يعانون العوز والقهر والفاقة .
مدينة بأسرها برجالها ونسائها وأطفالها وشيوخها تم ترحيلها قسراً لمسافة تجاوزت الأربعمائة كيلومتراً عبر مفازات البرد القارس في عز يناير وليالي الشتاء القاتلة .
إحدى السفن جنحت في البحر إثر عاصفة وكادت تصل شواطيء مالطا .. بعض من حضروا المأساة قال أنهم رأوا أضواء مالطا لكن السفينة انعطفت بعد ذلك فوصلت مجموعة قليلة منهم إلى طرابلس.
ذاك التهجير صار يعرفه أهل هون بــ “عام الجلوة” وحديثاً صار يُحتفى به باسم إحياء يوم الجلوة .. إجلاء الناس قهراً من مدينتهم وحقولهم وأسواقهم ومساجدهم وحياتهم ..
ذاك التهجير هو الانتقام الثاني من أهل هون،فالأول كان شهران قبل الجلوة أي يوم 18 نوفمبر 1928 عندما شهد ميدان الشهداء وسط المدينة إعدام تسعة عشر رجلاً من أبناء هون تدلوا من أعواد المشانق وشكلوا عينات من معظم عائلات المدينة وشبابها وأعيانها كعقاب لمشاركتهم وأهاليهم في معركة “قارة عافية” التي وقعت في ذاك الجبل بالطرف الغربي الجنوبي لهون .
اليوم تحتفي مدينة هون بالجلوة رغم أنها تغرق في الظلام منذ خمسة أيام .. تحتفي و ليبيا اليوم جلادها لم يعد إيطالياً فاشياً بل ليبياً فاشياً لايمكن معرفة من هو على وجه التحديد ! فمأساة اليوم موزعة على كل آل النفوذ والسيطرة واللاسيطرة والإتجار بالثورة والإتجار بالشباب والإتجار بكل الأوهام والبطولات الزائفة.
شعب ليبيا تعلم الصبر على الظلم لكن صبره ما أسرع أن ينفجر.
يُحتفى بالجلوة اليوم وثمة من يسوق البلاد إلى هجرة طوعية هذه المرة .
ــــــــــــــــــــــــ
خاص 218