التقارب السوري ـ الليبي.. ورطة أردوغان
جمال الكشكي
الخيال يضيق على رقبة الواهم العثماني، الخيارات صارت محدودة، فبينما يعتقد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أنه يمد قدميه من الشام إلى المغرب العربي، نجد أن الوعي الوطني بخطورة جرائم أنقرة، دفع سوريا وليبيا للالتفاف والوحدة لمواجهة هذا الصلف، والتجاوز والعدوان في حق هاتين الدولتين.
التحالف بات ضرورياً، ما عاشته سوريا ترفض تكراره على أرض الدولة الشقيقة «ليبيا». التقارب «السوري -الليبي» ربما تأخر كثيراً، لكنه جاء في الوقت المناسب. العدو واحد، والخسائر مشتركة، والأهداف أيضاً.
خلال الساعات الماضية، وافقت سوريا وليبيا على إعادة العلاقات الدبلوماسية بينهما. الصفعة قوية في وجه أردوغان، وقد تكون غير متوقعة، المصادر القريبة من أنقرة أكدت انزعاجاً غير مسبوق لنظام أردوغان، ففي الوقت الذي يراهن فيه هذا النظام على تحقيق مكاسب على الرقعة العربية، مستنداً إلى فرقة خصومه، صدمه تقارب قوي بين الطرفين، ترى فيه دمشق ضرورة الاستمرار في مكافحة الإرهاب حتى عودة الأمن والأمان لكل الأراضي، وخروج القوات الأجنبية المحتلة، وغير الشرعية، التي تخرق السيادة السورية، ونهبت ثروات الشعب السوري، وتفرض سياسات تهدد سيادة الدولة، واستقلالها، ووحدة أراضيها.
في الوقت نفسه ترى طرابلس هذا الاتفاق بمثابة نقطة ارتكاز تواصل من خلالها مواجهة الانتهاكات التركية، وتجاوزات الدول الطامعة في الثروات الليبية، والاستمرار في حماية أمن وسيادة الدولة الليبية.
هذا الاتفاق السوري- الليبي إنما هو رسالة قوية في توقيت له دلالة، فبعد أن رفض أردوغان الالتزام بأية اتفاقيات دولية بشأن وجوده غير الشرعي على أرض الدولتين، بل ومحاولاته فرض النفوذ، والأمر الواقع، لم يكن أمام هاتين الدولتين سوى الوحدة في مواجهة المشروع التركي، الذي يهدف إلى التقسيم والتمزيق، وتنفيذ أجندة التنظيم الدولي لجماعة الإخوان الإرهابية، فمن يتابع المستجدات على الأرض يتأكد أن الرئيس التركي لم يتوقف عن إرسال المرتزقة والميليشيات والجماعات الإرهابية إلى سوريا وليبيا، لاستهداف استقرار الدولتين، والسيطرة على كامل ثرواتهما النفطية، والاقتصادية لإنقاذ حالة الانهيار التي يتعرض لها الاقتصاد التركي.
هذا الاتفاق السوري- الليبي يحمل في مضمونه رسائل مهمة عدة في مقدمتها ما يلي:
– هز ثقة أردوغان وميليشياته وجماعاته أمام وحدة الدولتين الليبية والسورية.
حرمان أردوغان من تحقيق حلمه بالسيطرة على حقول النفط والغاز في الغرب الليبي، وشمال شرق سوريا، ومن ثم يضيق عليه الخناق.
– هذا الاتفاق أيضاً يأتي بمثابة دفعة معنوية قوية لقوات الجيشين الليبي والسوري في مواجهة العدو التركي وميليشياته.
– توحيد الرؤية السورية والليبية أمام المجتمع الدولي والأمم المتحدة، من شأنها كسب تأييد ودعم الدول الكبرى.
– هذه الخطوة بمثابة قوة مضافة لتعزيز موقف الدولتين، السورية والليبية، داخل جامعة الدول العربية، وإعادة النظر في عودة سوريا إلى مقعدها، ومن ناحية أخرى تحفيز الدول العربية بسحب اعترافها بحكومة السراج وإعادة التمثيل إلى حكومة شرق ليبيا المنبثقة عن البرلمان الليبي، والمدعومة من الجيش الوطني.
– هذا الاتفاق يؤكد أمام العالم أنه في الوقت الذي صارت فيه تركيا صانعة للأزمات والحروب، فإن سوريا وليبيا يمدان أيديهما للسلام والاستقرار في المنطقة.
– رسالة قوية بأن روسيا لم تتخل عن حلفائها، في الوقت الذي يستمر فيه نزيف الخسائر التركية على مختلف الصعد الداخلية والإقليمية، كما أنها رسالة بأن أردوغان يعيش «زمن بلا صداقات» بعد أن استدرجه دهاء الكرملين إلى مصيدة الحسابات الخاطئة، وما ترتب عليها من إدانات إقليمية ودولية.