التعامل مع إيران في المرحلة المقبلة
سوسن الشاعر
ثبت أنه لا يشغل إيران عنا إلا طريقان؛ الأول الضرب بيد من حديد على عملائها في المنطقة بلا تهاون، الثاني دعم التناقضات الداخلية التي تنتظر الدعم من أي طرف يجمع شتاتها، هكذا تنشغل إيران بنفسها وتتوقف عن أحلامها الطاووسية بالتمدد إلى خارج حدودها، دون ذلك، فإيران تتوسع إلى الخارج باختبار ردود الفعل، فإن سمحت لها الظروف تمددت، وإن لم تسمح لها تراجعت، براغماتية انتهازية إلى أقصى الحدود.
لذلك، فإن دول الخليج العربي بحاجة إلى رسم استراتيجية جديدة لمواجهة إيران تواكب المتغيرات السريعة التي تجري الآن على ساحتها، على صعيد العلاقات الإيرانية الأميركية من جهة، وعلى الصعيد الداخلي في العلاقات الإيرانية الإيرانية من جهة أخرى.
فالخلافات حول من سيكون المرشد المقبل داخل النظام تبرز للسطح، خصوصا أن المرشح الأقوى هو محمود الشاهرودي الذي يخشاه رجال النظام وله شعبيته الكبيرة أيضا في العراق، وبخاصة بعد تسييسه للسلطة القضائية التي تولاها لعشر سنوات مضت، فهنا بيت إيراني مضطرب بحاجة للالتفاف للداخل لترتيب أوضاعه الداخلية وتصفية خلافاته الحالية استعدادًا لتلك النقلة النوعية في رأس الهرم.
كما تحفل الساحة الإيرانية بمخاوف أخرى؛ حيث هددت المعارضة الإيرانية بإثارة القلاقل تزامنًا مع الانتخابات الرئاسية على الأبواب في شهر مايو (أيار)، الذي يتزامن الآن مع ذكرى الثورة الإيرانية.
على صعيد آخر، فإن كل الإنجازات التي احتفلت بها إيران الخاصة برفع العقوبات من خلال اتفاقها النووي، مهددة بالانهيار بعد مشوار طويل من المفاوضات، بالكاد أخرج إيران من طوق العقوبات الاقتصادية من الأبواب ليعيدها ترمب من الشباك.
لهذا؛ لسنا بحاجة إذن إلى أي معارك خطابية مع إيران تطرب آذاننا نحن ويستفيد منها النظام الإيراني في توحيد جبهته، ويجب ألا تجرنا إيران إليها، فالنظام الإيراني يسعى إلى توحيد جبهته الداخلية بتوظيف أي تهديد خارجي لها، إنما دول الخليج بحاجة إلى أن تعمل إيجاد وسيلة ليعرف الشعب والمعارضة الإيرانيين أن ما يقوم به النظام هو تدخل في شؤون الغير وإشعال للطائفية في المنطقة.
أي خطاب تصعيدي تجاه إيران من أي طرف تستغله عادة القيادات الإيرانية للعب دور الضحية في الداخل الإيراني أمام ما تسميه الاستكبار العالمي، فيساعدها على إعادة التحفيز والاصطفاف وراء النظام.
الواقع يؤكد أن إيران ستخفف جدًا من حدة خطابها في الفترة المقبلة تجاه جميع خصومها في وقتها الحالي، تجنبًا لأي مواجهة مباشرة الآن – وقبل الآن – فإيران ليست على استعداد لأن تخوض معركة مباشرة بين قواتها وأي قوة أخرى، وهي عمومًا لا تخوض معاركها إلا عبر وكلائها في المنطقة، فتجربة الحرب العراقية الإيرانية ما زالت حاضرة في الأذهان، لذلك لم يكن مستغربًا أن تتراجع أمام التهديدات الأميركية الجديدة التي أطلقها الرئيس الجديد دونالد ترمب، ومستشار الأمن القومي مايكل فلين حين قال إن «ذلك تحذير رسمي»، فسارع وزير الدفاع الإيراني حسين دهقان بنفي التقارير الأميركية حول إجراء إيران اختبارًا صاروخيًا ثانيًا، في تصريح للصحافيين في محافظة جيلان شمال إيران، قائلاً إن «هذه مزاعم مزيفة تأتي في إطار التخويف من إيران»، بحسب ما نقلت عنه وكالة الأنباء الإيرانية «إرنا»، الأمر الذي يفسر على أنه تراجع من إيران أمام التهديدات المتلاحقة لإدارة الرئيس ترمب، وبخاصة بعد فرض عقوبات أميركية جديدة قاسية ضد طهران، بل يزيد الوزير الإيراني مطمئنًا الأميركيين، أن تلك مزاعم يراد منها خلق ما يسمى «إيران فوبيا».
التراجع متوقع، وبخاصة بعد أن دعا نائب الرئيس الأميركي، مايك بنس، إيران إلى «عدم اختبار وتجربة صرامة وشدة الرئيس، دونالد ترمب»، وقال في مقابلة مع قناة «إيه بي سي» إن «من الأفضل لإيران عدم اختبار ترمب، ويجب عليها التفكير في مراجعة إجراءاتها العدائية المستمرة في المنطقة».
فلم تكن تلك هي المرة الأولى التي تصعد إيران في الخطاب مستعرضة عضلاتها الخطابية ومن ثم تتراجع على الأرض، هل تذكرون التصريحات التي صاحبت السفينة الإيرانية المتجهة لليمن في مايو 2015 حين حذّر مسعود جزائري مساعد رئيس هيئة الأركان الإيرانية، الولايات المتحدة والسعودية قائلا إن «إيران ستكون مضطرة لاتخاذ ما وصفه بإجراءات محددة إذا ما أقدمت السعودية وأميركا على منع وصول سفينة المساعدات الإيرانية إلى اليمن»، لكنها تراجعت واضطرت إلى تفريغ شحنتها في جيبوتي؟!
تلك هي السياسة الإيرانية التي تتصرف وفق ردود الفعل ببراغماتية دون شعور بالحرج، ولها وجهان؛ وجه تخاطب به شعبها ومن تعتقد أنهم حلفاؤها للتوظيف الداخلي، ووجه آخر تخاطب به العالم الخارجي، تصعد وتهدد وتستعرض و«لن نركع» و«هيهات منا الذلة» و«ووو» لشعبها، ثم تعود فتتراجع حين ترى الجدية في التعامل مع خروقاتها الأمنية.
لهذا؛ نحن بحاجة إلى التحرك لفضح هذه المناورات.. بحاجة إلى استغلال وتوظيف المتغيرات على صعيد العلاقة الأميركية الإيرانية ما دامت الظروف مواتية في صالحنا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صحيفة “الشرق الأوسط” اللندنية