التشكيلات المسلحة.. سطوة على الأرض وصوت مؤثر في كواليس الحل السياسي
تتسابق الأطراف السياسية على كسب ود التشكيلات المسلحة التي تفرض سياسة الأمر الواقع في العاصمة طرابلس وعموم البلاد، مع نجاحها في تشكيل هياكل أمنية وعسكرية شبه مستقلة بتبعيات صورية لوزارات ومؤسسات حكومية، وتمكنها من نسج تحالفات واسعة داخلياً وخارجياً أسهمت في تهميش سلطة الدولة وعطلت مشاريع وخطط الاستقرار في البلاد الغارقة في دوامة العنف منذ العام 2011.
نفوذ متعاظم لهذه التشكيلات أرسى قناعة متزايدة لدى الأطراف المحلية بأهميتها المحورية في الإمساك بمقاليد السلطة في العاصمة طرابلس، وهو ما ظهر جلياً في التنافس الأخير بين حكومتي الوحدة برئاسة عبد الحميد الدبيبة والحكومة الليبية برئاسة فتحي باشاغا، حيث لجأ الدبيبة إلى تخصيص مبالغ مالية لدعم بعض التشكيلات التي أنشئ من خلالها قوة عسكرية “لحماية الانتخابات والدستور”، حيث أظهرت وثائق حصلت عليها 218 تخصيص مبالغ قياسية لدعم هذه التشكيلات جرى استقطاعها من باب الطوارئ، وهو ما حاول باشاغا مجاراته بعقد اجتماعات مكثفة في تونس مع قيادات وشخصيات نافذة على الأرض في المنطقة الغربية وطرابلس، لتشكيل نواة تحالفات تضمن دخول الأخير للعاصمة ومباشرة مهامه منها، وهو ما كاد أن يوصل البلاد لخطر الانزلاق للعنف.
دور بدأت تعترف به أطراف دولية تعتبر التعامل معها واحتواءها أحد مفاتيح الحل للأزمة الليبية، حيث أكدت وكالة نوفا الإيطالية أن عدداً من قادة التشكيلات المسلحة من شرق وغرب البلاد حضروا اجتماعاً نظمه مركز الحوار الإنساني الذي يتخذ من جنيف مقراً له، الخميس، رفقة ممثلين عن المجلس الرئاسي ومجلسي النواب والدولة لمناقشة تصورات الحل، بعد مطالبات سابقة من خبراء محليين ودوليين مختصين في الشأن الليبي لإشراك قادة التشكيلات المسلحة في الحوار بتمثيل أعلى، بالتزامن مع الإعداد لانطلاق الجولة الثانية من المشاورات الليبية التي ستحتضنها القاهرة في 15 مايو الجاري.
وتواجه مسألة دمج أو احتواء التشكيلات المسلحة تحديات حقيقية تتعلق بالتركيبة البنيوية لها والخلفيات الأيديولوجية التي تنطلق منها، والتي تفرض عليها تحالفات متباينة وولاءات مختلفة، الأمر الذي يُعقّد مسألة انصهارها في المؤسسات الشرعية للدولة، بالإضافة لكيفية التعامل مع الملفات المثقلة بانتهاكات وتجاوزات هذه الجماعات والموثقة في الغالب بتقارير المنظمات الحقوقية، على رأسها منظمة العفو الدولية التي اتهمت صراحة جهاز دعم الاستقرار المتحالف مع الدبيبة بالضلوع في انتهاكات مروعة بحق مهاجرين ومواطنين، بالإضافة لأجهزة أخرى شبه رسمية كالأمن الداخلي وخفر السواحل.
ورغم كل ذلك تظل هذه التشكيلات رقماً صعباً في الخارطة الليبية وأمراً واقعاً يُمكنها من لعب أدوار متباينة، يزيد من تعقيدها الفشل السياسي والضبابية المصاحبة لأفق الحل مع انفتاح الأزمة الليبية على مسارات متعددة ومتصادمة تجتمع في غاياتها التي تصب في إطار تمديد المراحل الانتقالية، وترحيل المشاكل التي باتت تتزايد حجماً وتأثيراً مع الوقت ككرة الثلج، منتجةً تغولاً غير محدود للتشكيلات المسلحة التي تهدد مستقبل الدولة.