التحليق بجناحي بايدن
فرج عبدالسلام
طبُول موقِعة الثلاثاء الكبير تدق بكامل ضجيجها، ودخلت أميركا ومعها العالم بأسره أسبوعَ الحسم، فبعد أيام قليلة سينجلي الغبار عن ملحمة الانتخابات الرئاسية الأميركية، التي بالرغم من أنها تجري كل أربع سنين منذ نشأة الأمة الأميركية، وظلّت تتخللها معارك طاحنة بين المتسابقين للجلوس في المكتب البيضاوي وقيادة الدولة الأكثر قوة وتأثيرا في العالم، إلاّ أنها وباتفاق كثيرين من المتابعين للشأن الأميركي، فالمعركة الحاليّة تُعدّ الأغرب والأشرس طوال تاريخ الديموقراطية الأميركية، لأن قطبيها “ترامب” و “بايدن” يمثلان طرفيْ نقيض بكل المعايير، وبالأخص ترامب الذي قلب تلك المعايير رأسا على عقب، وخلخل أسس العملية الديموقراطية التي يقوم عليها المجتمع الأميركي ويفخر بها ويروّج لها.
لعل ما يهمّ العرب من مؤيّدين أو معارضين لما اصطُلح على تسميته بـ “الإسلام السياسي” الذي تمثّله أحزابُ الإخوان المسلمين بكافة تفرعاتها وتسمياتها، هو موقفُ الإدارة القادمة من هذا التيار. ولأن أغلب استطلاعات الرأي تمنح بايدن مقعدا متقدما في هذا السباق لأسباب عديدة، ليس أقلها ما أبداه ترامب من رعونة خلال فترة رئاسته، ما أحدث شرخا عميقا داخل المجتمع الأميركي، وألحق الضرر بسمعة أميركا وبمصالحها في العالم… لكل هذه الأسباب وغيرها ترتفع أسهم بايدن، وترتفع معها آمال وصلوات قيادات الإسلام السياسي في المنطقة بتجديد العلاقة مع الإدارة الأميركية الجديدة، والتي ساءت ووصلت إلى الحضيض في عهد خلفِ أوباما.
من خلال مضامين تسريبات إيميلات “هيلاري كلنتون” الأخيرة وبالرغم من أنّ أغلبها ليس جديداً بالنسبة إلى المتابعين في الشرق الأوسط، إلا أنها تسلّط الضوء أكثر على التدخلات الأمريكية في “الربيع العربي” و تكشف عن حجم ومستوى تلك الاتصالات المكثفة مع جماعات الإسلام السياسي “الإخوان المسلمين”، تطبيقا للاستراتيجية الأميركية المعمول بها آنذاك وخلاصتها أنّ الإخوان المسلمين هم الجهة الأكثر قدرة على قيادة المنطقة، والأكثر وثوقيّة في الحفاظ على المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة، باعتبارهم الأقدر على منافسة التنظيمات المتطرفة والحيلولة دون وصول تنظيمات راديكالية لقيادة دول المنطقة.
وبمعزلٍ عن تأثير هذه التسريبات في الداخل الأمريكي ومحدودية تأثيرها على الانتخابات، إلاّ أنها تطرح تساؤلات من بينها أنه في حال فوز بايدن بالانتخابات، فهل سيستأنف الديمقراطيون مشروعهم بالتحالف مع الإسلام السياسي والإخوان؟ أم أنّ الظروف لم تعد كما كانت وأنّ ذلك التحالف الإسميّ قد عفا عليه الزمن بالنظر إلى العديد من المستجدات في المنطقة العربية وفي العالم.
لكن بالرغم صعوبة الإجابة عن مثل هذه التساؤلات في الوقت الراهن واستناداً للتطورات التي تشهدها المنطقة ويمرُّ بها الإسلام السياسي، بما فيها أفول نجم هذا التيار وبالأخص في معقله الرئيس في “مصر” وبعد فشل تجربة حكمهم في مصر وتونس، وفي ظلّ التداعيات التي أفرزها وباء كوفيد 19، وما سيتعلق بذلك من الأزمات الاقتصادية العميقة القادمة، يقول مراقبون عديدون إنّ استمرار تحالف الديمقراطيين مستقبلاً مع الإسلام السياسي سيكون موضع شكّ كبير وعميق في ظلّ تلك التحولات المهمّة، بما فيها المقدرة الفعلية المحدودة لهذا التيار على قيادة المرحلة الجديدة والتعامل مع تحدّياتها.
التنظيم الدولي لجماعة الإخوان يعمل بكل طاقته، ويسعى بشكل محموم للبحث عن موطئ قدم، على الخريطة السياسية الأميركية، ما قد يُمكّنُ فروعه من العودة للمشهد السياسي بمنطقة الشرق الأوسط. ولهاذا السبب يسعى جاهدا لاستعادة دعم الإدارة الأميركية التي يُصلّي ويأمل أن تكون ديموقراطية، لتجديد شهر العسل مع القوة الأكثر تأثيرا في العالم. وبالتالي ليس غريبا أنّ الجماعة ترى في “بايدن” طوق نجاةٍ لها في الولايات المتحدة الأمريكية بصفة خاصة، وفي الشرق الأوسط بصفة عامة، في الوقت الذي تلفظ فيه أنفاسها الأخيرة… لكن هؤلاء المراقبين أنفسهم يرون أنّ فوزَ بايدن لن يكون طوق نجاة للإخوان، وقد لا يذهب بعد انقضاء العامين الأوليين المخصصين في العادة للشأن الداخلي أبعد من ممارسة بعض الضغوط للحد من قدرة الأنظمة على الاستهداف العنيف لجماعات الإسلام السياسي وفي مقدمتها الإخوان، وربما سوف تعود الضغوط الأمريكية على أنظمة الحكم في منطقة الشرق الأوسط للعودة إلى الديمقراطية وحرية التعبير، وبالتالي قد تجد هذه الجماعات نفسها تغرق في بحر خيبة الأمل، بعد أحلامٍ عريضة في الإقلاع والتحليق مجددا بجناحي مرشحٍ لرئاسة أميركا اسمه بايدن.