التجربة السياسية للمرأة الليبية رهينة الثقافة الذكورية والعنف المسلح
218 | خلود الفلاح
يرى الكثير من المهتمين بحقوق المرأة في ليبيا، أن مشاركتها في الشأن السياسي ماتزال ضعيفة بسبب سيطرة المجتمع الذكوري من جهة وفوضوية الحياة السياسية من جهة أخرى، في حين تطالب النساء الناشطات في المجتمع المدني والمدافعات عن حقوق النساء بضرورة تمثيل حقيقي للمرأة في المناصب التشريعية والسياسية في البلاد.
ويُعد اختيار 5 نساء بين أعضاء حكومة الوحدة الوطنية الجديدة خطوة واعدة تحتاج إلى البناء عليها، من أجل ضمان النهوض بحقوق المرأة، على الرغم من عدم تمثيل نسبة 30٪ التي طالبت بها النساء المشاركات
في ملتقى الحوار السياسي في نوفمبر الماضي.
اندثار التمثيل السياسي للمرأة بعد الاستقلال
وفي هذا الصدد تقول الكاتبة عائشة بازامة: “رغم دور المرأة الليبية العظيم في فترات الاحتلال الأجنبي وممارستها الجهاد بقوة، وصبرها وتجلدها في المعتقلات وتضحياتها التي نقلها التاريخ في ملاحم النضال المؤرشفة في صفحات مضيئة في مركز محفوظات الجهاد، إلا أنها لم تحظ بأي تمثيل سياسي بعد الاستقلال”.
ولفتت “بازامة” إلى أنه لا يمكن أن تفسر ذلك بسلبيتها، وإنما هناك عوائق وقفت في طريق المرأة بالتأكيد، ومن ضمن تلك العوائق تحجيم هذا الدور في شخصنته واقتصاره على سيدتين أعطيت لهما كافة إمكانيات الدعم، دون إقحام نساء أخريات، لأن هاتين السيدتين كانتا مقربتين جدًا من السلطة، ولم يكن دورهما سياسياً بالمفهوم الصحيح بل اقتصر على دور اجتماعي خافت جداً، كانت فائدته تعود على الأسر المرموقة في ذلك الوقت من دورات تعليم خياطة وما شابه هذه الأمور بعيدا عن ممارسة السياسة.
وبيّنت الكاتبة أن فترة القذافي، فُتح للمرأة باب الدخول واقتحام المجال السياسي بوفرة واتسعت الرؤية لدى المرأة الليبية ومنحت لها مساحات شاسعة، لكنها ارتبطت بشروط ولوائح تقيدها، منها أن تكون ضمن إطار النظام السياسي وأن تؤمن بمساعيه ونظريته الثورية ولجنته وكتابه الأخضر، وكان هذا القيد المشروط صعباً على الكثير ممن يحملن صفة القيادة السياسية والوعي الكامل بدور المرأة في اقتحام سلطة القرار السياسي.
تعاليم دينية محبطة
وتحدثت عائشة بازامة عن تعرض دور المرأة في الوقت الحالي لثقافة دخيلة تسترت وراء تعاليم دينية ومحبطة، تواجه تحركات كلا الجنسين وأكثر تأثيراً على المرأة في هذا الدور، هذه الثقافة شاهدناها في محاولة الادعاء لدعم المرأة في شكل مكاتب وتنسيقيات تُسمى مكاتب دعم المرأة، وهي في الحقيقة لا تمت لدعم المرأة على الإطلاق ولم تقم بالدور السياسي، وإنما انحازت لجوانب خيرية ورزقية، للضعف الشديد في إدارة هذه التنسيقيات وعدم فهم دورها وبذلك أحبطت جهود نساء كثيرات وأصبح على المرأة البحث عن طريقة لاقتحام السلطة وتمثيلها فيها، بحسب قولها.
وتضيف: “تسعى المرأة للمشاركة السياسية كما الرجل، لكن عودها ليس قوياً، فمعايير السياسة تغيرت وأهمها المادية، كما تغيرت وسائط أخرى فكرية لا تؤيد ولا تهتم بأن تكون المرأة قائدة سياسية أو رئيسة حزب.
فالمناصب الإدارية، ليست منحة سياسية للمرأة، وإن لم تقتحم المرأة قيادة حزب أو رئاسة برلمان أو حكومة أو دولة فستظل كل المحاولات باهتة غير فاعلة “.
يحتاجون لصوتها ولا وجود لها إلا في آخر الاحتمالات
في المقابل تتابع إيمان عمران الكشر: “تعيش المرأة الليبية ضغوطاً اجتماعية صعبة جداً، وتضيف: “حتى لو امتلكت المرأة كل المهارات الكافية لخوض التجربة السياسية فإن من هم حولها لا يقبلون ذلك. وقد يأخذ هذا الرفض أشكال متعددة. منها ما يتعلق بالخوف على حياتها بسبب الوضع الأمني الصعب”.
وألقت إيمان الكشر وهي مرشحة سابقة لرئاسة الحكومة، اللوم على مؤسسات الدولة في عدم دعمها بالمرأة لتكون في منصب قيادي، وفي ذات الوقت يطلب مشاركتها بنظام الكوتا وبدونها سنجد مكانها فارغاً.
واستطردت: “المرأة يتم دعمها في الأحزاب لتمثلهم وتمتثل لهم وليس لقناعتهم بها كامرأة، يحتاجون لصوت المرأة ولا يرغبون بوجودها إلا في آخر الاحتمالات”.
تأثير الكبير للمجتمع الذكوري
وتشير “الكشر”، إلى التأثير الكبير للمجتمع الذكوري على الثقافة المجتمعية. فليس من السهل على المرأة أن تخوض أي تجربة في هذه البلاد دون أن يتم محاربتها باعتبار أنها لا تصلح إلا للبيت.
ضعف مبادرة النساء الليبيات
ترى رئيسة مجلس إدارة منظمة منابع السلام لحقوق المرأة آسيا الشويهدي، أن نوع التعليم المقدم في ليبيا هو تعليم تقليدي لا يعتمد على المشاركة، وتضيف: “الثقافة المجتمعية لا تُشجع المرأة على المشاركة في الحياة السياسية، إلى جانب أن المجتمع مسلح وهو طافح بالعنف والعدوانية وانتهاكات حقوق الإنسان لا يشكل بيئة مناسبة لممارسة دورها في الفضاء العمومي”.
وتحدثت الشويهدي، عن ضعف مبادرة النساء الليبيات في تأسيس مؤسسات مدنية تهتم بدعم وتشجيع النساء، بعيداً عن الثقافة الذكورية التي تُعتبر المرأة غير مؤهلة للعمل السياسي بوصفه عمل قيادي.
وبحسب “الشويهدي”، في كثير من الأحيان الفهم اللاتاريخي لبعض النصوص والأحكام القرآنية، يفسره البعض كقيد على المرأة ومحاولة أقصائها من ممارسة أي دور سياسي.