البنك المركزي بين المهمّ والأهم
سليمان الشحومي
يترقب الجميع خطوات مصرف ليبيا المركزي طرابلس والتي يتوقع أن تكون أكثر انفتاحا وأقل قيودا علي طلبات الحصول علي الدولار بالسعر الجديد إذا كتب له النجاح ، وربما سيحاول البنك المركزي كبح جماح الطلب المرتفع المتوقع عبر إدارة أسقف محددة لكل نوع من العمليات (أغراض شخصية للدراسة والعلاج، وأغراض تجارية)، بالتاكيد أن الأسقف ستكون عالية نوعا ما لاستيعاب الطلب لكنها أداة ربما يحاول البنك المركزي عبرها ضبط الحجم وقد يضع بعض المتطلبات الشكلية والإجرائية للتنفيذ، لكن يبقي الجانب المهم الذي علي البنك المركزي أن يضبطه هو عرض الدنانير الليبية وخصوصا تلك التي سيتم إيداعها بشكل كبير ومفاجئ لدى البنوك والتي سيكون أغلبها غير مستعدا للتعامل مع الفائض النقدي المتدفق في ظل تعطل عمليات الائتمان ومتطلباتها بسبب هذه الظروف لتقديمها في شكل قروض لمشروعات اقتصادية مختلفة بسبب إيقاف العمل بمعدل الفائدة وأيضاً بسبب تعطيل مصرف ليبيا العمل بشهادات الإيداع والتي كانت إحدي أهم الوسائل لجذب الودائع لدى البنوك .
كما يبرز هنا أيضا تساؤل مهمّ وهو متعلق بدور البنوك والبنك المركزي في أعمال قانون مكافحة غسيل الأموال وعلي رأسها التعرف علي مصادر إيداع الأموال وخصوصا من أفراد أو شركات ليس لها نشاط تجاري معروف، فهل ستغمض البنوك أعينها عن ذلك وهل سيقوم البنك المركزي بتدارك الأمر والبحث عن آلية ربما عبر التنسيق مع مصلحة الضرائب لتسوية ملفات أصحاب الإيداعات الكبيرة وتحصيل الضرائب منها وإدماجها وإكسابها الشرعية المنقوصة؟
دون أدني شك بأن رفع القيود الكلي أو شبه الكلي عن النقد الأجنبي عبر الآلية التي اختارها البنك المركزي مرغما و تخلى بموجبها عن أهم قرارته وأخطرها، تؤسس لمرحلة جديدة من العمل المصرفي المتردي بكل جوانبه وقد تعمل علي تطوير مستوي الخدمات المصرفية وتحسينها وتعيد إطلاق المنافسة بين البنوك الليبية لكنها بحاجة إلي إعادة النظر في مسألة الرقابة علي القطاع المصرفي بشكل يساعد علي تطوير الخدمات وإعادة رسم الخارطة النقدية والائتمانية والاستثمارية للاقتصاد الليبي. فلم يعد هناك مجال الآن لوضع أسقف لرسوم الخدمات البنكية المقدمة وإفساح المجال أمام المنافسة وترك الحرية للمتعاملين مع البنك لاختيار نوع الخدمة ورسومها وفقا لمفهوم جودة الخدمة من حيث تحقيق أعلي درجات الكفاءة والسرعة والعلاقة المتميزة بكل أبعادها .
أصبح الآن لزاما علي البنك المركزي إعادة العمل بمعدل الفائدة والقروض سواء التقليدية أو ذات الإطار الإسلامي لتعمل جنبا إلى جنب معا فلا مجال ولا قدرة لأن يعمل النموذج الإسلامي منفردا، وأصبح ملحّا الآن إعادة تنظيم سوق النقد ببن البنوك معا ومع البنك المركزي عبر خلق أدوات دين جديدة يكون لها دور أساسي في إدارة النقد بالاقتصاد عبر شهادات إيداع بالبنك المركزي وشهادات استثمار بنكية وإطلاق يد البنوك في خلق أدوات استثمارية كالصناديق المتخصصة .
دون أدني شكّ بأن كل ما أشرت له سابقا في حاجة ماسة وعاجلة لعودة الروح والفاعلية لمؤسسة البنك المركزي الموحد كمنظم ومشرف علي القطاع المصرفي في ليبيا ومساهم رئيسي في بِنَاء هذا القطاع الحيوي وتطويره، لكن لا يمكن تحقيق ذلك دون أن نعيد صياغة هذه المؤسسة وترتيبها من جديد وفقا لرؤية جديدة وآليات جديدة تعزز كفاءة النظام النقدي الليبي وتنقله إلى قيامه بدوره كداعم للتنمية والاستثمار .