البغدادي بين شريطين
د. جبريل العبيدي
لعبة قبعة الإخفاء لزعيم «داعش»، التي لم تعد تنطلي على أحد، ولا تدهش رواد السينما حتى الأطفال منهم، من حيث التوقيت ولا من حيث المحتوى. فالبغدادي منذ إظهاره في الموصل في مسجد النوري مرتدياً اللباس الأسود، في إشارة إلى تبنيه الخلافة العباسية، معلناً نفسه خليفة لدولته المزعومة، بينت هيئته أن هناك دولا تدعمه من أجل الإبقاء على استمرار حالة الفوضى كمشروع لتقسيم المنطقة، وإعادة رسم خريطة جديدة بمتغيرات مختلفة، تحققها فوضى صناعة «داعش».
نصَّب هذا المدعي نفسه أميراً للمؤمنين، بالقول: «وُلّيت عليكم»، ولا نعرف من ولّاه ولا من والاه من الدهماء، خصوصاً وهم يتلثمون ولا يعلنون عن هويتهم.
البغدادي الذي ظهر أو أُظهر في تسجيل فيديو لم يتجاوز عشرين دقيقة يحمل ملف «ولاية تركيا» معلناً أن «معركة الباغوز انتهت»، يبرز الكثير من علامات الاستفهام، فالظهور الثاني للبغدادي قد يكون لمجرد الإعلان عن أن زعيم «داعش» لا يزال حياً لتقديم دَفعة معنوية لأتباعه، وإظهاره في اجتماع يبدو أنه تنظيمي لإعادة هيكلة قيادات «داعش».
البغدادي ظهر في شريط فيديو دعائي عالي الجودة والإخراج تحت مسمى «في ضيافة أمير المؤمنين» سُجِّل في مكان يبدو أنه مخبأ تحت الأرض، يمتدح تفجيرات سريلانكا ويصفها بأنها «ثأر» للباغوز، مما يعطي تاريخاً زمنياً محدداً لتسجيل الشريط، الذي حاول البغدادي فيه إظهار هزائم تنظيمه على أنها انتصارات يباركها، مثل الهجوم الغادر لعصاباته على بلدة الفقها الليبية وذبح أفراد الحرس البلدي.
يبدو أنه يُراد لنا أن نصدق أنه صاحب قبعة الإخفاء، في زمن التضليل والاستخفاف الإعلامي بعقول الشعوب، فالبغدادي زعيم «داعش» هو في الواقع صنيعة دول إجرامية راعية للإرهاب كانت تسعى لإحداث فوضى في المنطقة، وأسهمت دولتان إقليميتان بالخصوص في تمويل هذا التنظيم الإجرامي لوجيستياً وبتنقل عناصره بحريّة أو الحشد والتحشيد لانضمام عناصر جديدة، كما أسهم تنظيم الإخوان في تسهيل حركة عناصر «داعش»، وتسهيل شراء النفط الذي كان «داعش» ينهبه من حقول النفط العراقية والسورية، ويتم بيعه عبر الحدود التركية بنصف سعره.
البغدادي استخدم منهج هولاكو في القمع والتنكيل بالقرى الصغيرة لتستسلم له المدن الكبرى، بعد أن أعمل فيها الذبح والدهس والسحل والحرق والإغراق، صنوف شتى من البشاعة والساديّة في القتل، تعكس حالة نفسية يعاني منها هذا السفيه ومَن تبعه من السفهاء.
البغدادي سقطت خلافته المزعومة وانضمّ إلى دكة المخلوعين أو السابقين، وهو مصارد وترصد الولايات المتحدة مكافأة قدرها 25 مليون دولار لمن يساعد في القبض عليه.
إظهار البغدادي في هذا التوقيت له دلالات كثيرة أخرى، لعل منها تهاوي سلطة تنظيم الإخوان في مصر وليبيا، ودك ربوع الإرهاب في كل مكان، ومواصلة تجفيف أمواله وكشف حيله وألاعيبه، ولعل إشادة البغدادي بأفعال الذبح والقتل والاغتيال التي تخدم تنظيم الإخوان تؤكّد تورط التنظيم في علاقة تقاطع مصالح، وبالتالي مَن يتولى حماية البغدادي طلب منه الظهور مجدداً بعد اختفائه خمس سنوات تمدد فيها «داعش»، وأصبح دولة تسكّ عُملة مدنية، وتسيطر على نصف العراق ونصف سوريا وبعض أجزاء من ليبيا وسيناء، إلى أن انتهت ذليلة في الباغوز، وانهارت دولة الباطل وقُطع قرنها.
البغدادي أو السامرائي أو قل ما شئت، كيف ما تسمى إبراهيم عواد، يبقى مجرد شريد وطريد وهارب فارّ يدعو أنصاره إلى «الصبر والثبات أمام الكفار» بينما يمارس هو الفرار والاختباء وجهاد النكاح، تاركاً الانتحار والموت للسفهاء من أتباعه، بينما هو يتنقل من جحر إلى آخر.