البعد الخلاصي لشهرزاد في “ألف ليلة وليلة”
عمر أبو القاسم الككلي
في منظومة الأديان الإبراهمية نزل الإنسان على الأرض وعمرها بعد أن طرده الله من الجنة بسبب عدم التزامه بأوامره. أي بناء على “خطيئة أصلية”. وبناء على هذه الخطيئة قامت الحضارات والثقافات وانتسج التاريخ البشري.
بناء “ألف ليلة وليلة”، بدوره، مبني برمته، على الخطيئة. ليس الخطيئة المشار إليها في الأديان الإبراهيمية، وإنما هي خطيئة خاصة تولد عنها عالم “ألف ليلة وليلة” العامر بالبشر والحكايات والحضارات والثقافات.
فأساس العمل أن الملك شهريار اكتشف أن زوجته وزوجة أخيه الملك شاه زمان تخونانهما مع عبيدهما الزنوج، فقام بقتلهما. وعزز حادث آخر لديه (هو حادث الفتاة التي يختطفها جني ويتنقل بها في الأمكنة التي يكاد ينعدم فيها وجود البشر، ومع ذلك كانت تتدبر قضاء وطرها مع الرجال) انعدام ثقته في وفاء المرأة كزوجة. فقرر الزواج كل ليلة من فتاة، وقتلها في الصباح التالي، لمنع إمكانية الخيانة.
وفعلا بدأ في تنفيذ مشروعه ذاك، إلى أن تطوعت شهرزاد بالزواج منه، مغامرة بحياتها ومضمرة في نفسها التحايل من أجل إيقافه عن المضي في فعله هذا.
كانت حيلة شهرزاد قائمة، إلى جانب فتنة الأنوثة، على إلهاء شهريار بالحكايات المشوقة ليؤجل قتلها. فتوصي أختها دنيازاد التي تصحبها أن تطلب منها (بعد أن تري الملك قد قضى وطره مني) أن تقص عليها هي والملك حكاية مسلية (قبل أن يحل الصباح ويحين موعد الحتف).
وتفلح حيلة شهرزاد هذه، بحيث ينشدُّ الملك إلى الحكايات ويصبح متشوقا لسماع المزيد منها كل ليلة، خاصة وأن بعض الحكايت لا تستهلكها جلسة واحدة. لأن شهرزاد لا تحكي في النهار، بسبب انشغال الملك بشؤون الحكم والدولة نهارا، ولأن الحكايات تكون أكثر تأثيرا في النفس ليلا.
الأساس في “خلق” عالم “ألف ليلة وليلة” كما قلنا، هو الخطيئة، خطيئة الخيانة الزوجية. فتنذر شهرزاد نفسها لأن تتولى القيام بدور المخلص، بحيث تقوم بتخليص بنات جنسها من مصير القتل وتغسلهن من أدران الخطيئة. إنها ،هنا، بمثابة المسيح،في العقيدة المسيحية، ابن الله، الذي أرسله أبوه ليفدي البشر بسبب ارتكابهم الخطيئة الأصلية. إلا أن شهرزاد تنتدب نفسها لمهمة المخلص، ولا تكلفها بها، على غرار المسيح، إرادة أعلى، كما أنها لا تعاني ولا تفقد حياتها في مهمتها هذه.