عبدالوهاب قرينقو
لطالما عُرِف شرق البلاد (برقة) بروائع القصائد وكبار الشعراء الشعبيين طيلة تاريخ ثقافتنا الوطنية الليبية مع أن القصيدة الشعبية الليبية هي أكثر من قصيدة حسب الجغرافية السكانية وطبائع وخصوصية كل مكان وجهة، لكن قلائل من ارتفعوا بها إلى مصاف العصر والتجديد .. عن شعرنا الشعبي قديماً يطول الحديث، أما حديثاً فتتفرد قصيدة الرويعي موسى بما يمكن أن نسميه (القصيدة الشعبية المثقفة) بمعنى سباقها الدائم مع نفسها لتكون مختلفة عن المطروح قديماً وحالياً طارحةً المتذوقين لغةً جديدة في أبعادها وحساسيتها مع الحفاظ على الرونق القديم المتغلغل في الهوية الليبية والنسيج الاجتماعي.
الشعر لا ينتهي
ربما يهدأ قليلاً .. يختبئ
لكنه أبدا لا يتوقف ..
بعد أكثر من عشر سنوات من (الصمت الكتابي) لا الشعري فالشعر لم يغادر كيان الرويعي .. ها هو يعود مع رائعته التي انولدت من يومين ومطلعها:
فيدي حار مفتاح القصيدة .. نبرم فيه في قفل الكلام في ترباس يضّابح صريده .. يلوي غير قاصر ع النْجام.. شاعرنا الرويعي في عودته إلى حضن القصيدة إلى كهفها إلى كل مطارحها فاجأ الجميع هنا في عمّان قبل يومين بقصيدة العودة .. هنا فيها وله وبها كأنه يعقد جلسة تفاوض مع الشعر الخصيم الحميم .. وكساحر في كهف الخيال تستدرجه إلى كمين الانثيال فلا نعرف هل اصطادته أو هو من اصطاد.
في قصيدة العودة هو كالجوهرجي الماهر، الصائغ الحاذق المتلهف يمسح الغبار عن ذهب الكلام .. الرويعي يعود بهذه القصيدة من النفائس من روائع الشعر الليبي الحالي لا يمكنك إلا أن ترحل معها إلى براري الحلم.
الرويعي كعادته فارس القصيدة يخوض بها وخلالها وضدها ومعها معركته الحميمة ضد الكلمات لتصعد أكثر لتحيا لا لتموت كما يحدث في معارك الأرضيين .. فالشعر لديه كما الشعراء/ الشعراء كفاح للحياة والإحياء.
. . . ولأنه شاعر بحجم وطن وصديق لكل مبدعي ليبيا – حتى من اختاروا اللغة الفصحى أداة لإبداعاتهم – احتفى معه برائعته الكثير من الأدباء الليبيين من أصدقائه بل والمفكرين أيضاً.
هنا الفيلسوف نجيب الحصادي يكتب عن جديد الرويعي:
(من أجمل ما قرأت في فينومينولوجيا الخلق الشعري. صعب أن يقال ما قاله الرويعي نثرا. لكنه يأبى إلا أن يخلده شعرا).
أما الشاعر سالم العوكلي فكتب نصاً نقدياً شارحاً متوغلاً في عمق النص العائد بعد عقد ونيف، نختار منه:
( الشاعر الكبير هو الذي يخوض عراكه الشرس مع الشعر قبل أن يتفتق عن قصيدة .. هكذا بالشعر يفسر الرويعي لعبة الشعر الذي يطمح لمقارعة الكمال الصعب. الرغبة المفزعة لدى الشاعر الذي يدرك أن توطين الكلام داخل القصيدة هو نحت مضنٍ في صخر اللغة).
. . . وهنا ، يكتب القاص والباحث في الموروث أحمد يوسف عقيلة مبتهجاً بالعودة ونص العودة: (من يُعيد للشاعر عجينة الكلام الأولى.. من ينفض الكلام ويجلو عنه صدأه؟ .. قصيدة جديدة للشاعر الرويعي موسى).
. . . مع شهادات أخرى من مدونين ومهتمين بالإبداع، نقترح منها وننقلها بحذافيرها:
عبدالعزيز بوعابد: ( ما يرمي إليه بالمختصر المفيد … إلهامه لم يعد يتوافق مع ما يدور بداخله… أمام القصيدة) !
أحميدة العلواني: (قصيدة نحتت من الحجر) .
عيسى العقوري: (الفكرة هي مفتاح القصيدة حين تغيب يصبح الكلام مبتذلا مشترا..الفكرة كالفراشة إن لهثت خلفها هربت وابتعدت وإن كففت عن مطاردتها حطت فوق رأسك).
عادل معوف : (تحفة.. نحتتها فكرة رائعة بازميل صادف يد نحات بارع).
الزاوية البيضة: ( يبحث عمّن يزيل الغبار عن أفكاره ويطلق عنان شعره ويترجم له الكلام؟ .. شاعرٌ كبير وبطبع متواضع وصاحب كلمة قوية ليس لها نظير حالياً.حقاً قد أصبت عين الطريدة في وقت المغرب الذي تصعب فيه الرؤية).
إدريس بو فوده: ( قصيدة رائعة جدا … من شاعر متواضع … يدعي بتواضع عجزه عن ايجاد مفتاح لقفل الأفكار والكلمات … وهو من بيده مفاتيح المفردات والأفكار الشعريه الجميلة .. ولكن هناك بعض المفردات تحتاج الي الدبلجه الي العاميه).
أبو عمر : ( رائعة وقد يحتاج المرء إلى معجم يساعد على الفهم.
عمر محمد: معظم الكلام ما فهمتش شن يعني )
. . . مع أن القصيدة كتبت بلهجة ليبية تماماً إلا أن كثر من طلبوا إيضاح المفردات والبعض طلب شرح المعاني ما يعني عمق هذه القصيدة ولنقل غموضها لا انغلاقها حتى أن البعض فهم خطأً خاتمة القصيدة بأن الشاعر يعلن اعتزاله حين يقول :
هذا كَوت قارع من لهيده .. والمشوار حودد .. والسلام “استصعاب” جعل من الشاعر يعلن أن ما تحدد مشوار القصيدة لا اعتزاله للشعر ودفقه كنهرٍ خرافي لا ينتهي حتى مع غياب الشاعر .
. . . واختتم هذه الوقفة مع مفاتيح الرويعي بتعليقي الذي أوردته فور نشره لقصيدته في صفحته على “الفيس بوك”:
(رائع كعادتك فارس القصيدة التي تخوض خلالها هنا جلسة تفاوض مع الشعر الخصيم الحميم وكساحر في كهف الخيال تستدرجه لكمين الانثيال، أو كجوهرجي ماهر يمسح الغبار عن ذهب الكلام .. هذه من روائع الشعر الحالي رحلت معها إلى براري الحلم ،سلمت واعليت وأحسنت خوي الرويعي موسى)
.. وهنا لقراء موقع 218 نص القصيدة:
فيدي حار مفتاح القصيدة .. نبرم فيه في قفل الكلام
في ترباس يضّابح صريده .. يلوي غير قاصر ع النْجام
نطلب فيه ما نابا نصيده .. يا من راه تَرجام المرام
يمحىَ ظلّ لفكار البليدة .. يطرد هَفو من طش الزحام
ينفخ روح في فكرة وليدة .. نين اتطير ما طار الحمام
يرشق سهم في عين الطريدة .. بين النور واخلاط الظلام
يهتك ستر لحدود الحديدة .. شَور براح ناشي من الهام
فيه تلين لحروف العنيدة .. نين الحرف يبقى حرف خام
فيد خيال ينحت فيه بيده .. كيما يريد بإزميل الاحلام
ويتَلّيه للفكرة الشريدة .. تخبط لارض فيما وين رام
هذا هو الطَوح اللي انريده .. غير يحول دونه في غَمام
كالح شَين يرجف من وعيده .. فيه البرق يشكع في سخام
ننفخ فيه ما نقشع لبيده .. نين ايردّ متقنزع اَشلام
يبعد نين ما نسمع رعيده .. يقرب نين يغشاني عَتَام
هك وهك فـ الحال وضديدة .. منّي نين ريش الشعر هام
طار وعاف لاوكار العتيدة .. لاعد رَدّ لا احلي له مقام
يلوي بين لارياح الشديدة .. تخطف فيه من رَوقة انسام
نين يبات طايح في مكيدة .. فيها وين تضحك له اوهام
ضحك البرق في مزن الحصيدة .. للفسّار كي ضحك المنام
صَيد البوم يستحسن لصَيده .. تحت الرجل ما بين العَدام
في ما وين ما صَيده يكيده .. صيد السبع واغلاظ الهَوام
يا مشقاه في حزنه و عِيده .. مَن فـ النقص يبحث ع التمام
شايل كَيد زايد فوق كَيده .. يبّي ينوض من تحت الحطام
حاصل بين لابواب الوصيدة .. والجدران واهيول الركام
بارد حَيل ينزف من وريده .. شور النور تسعى به عَزام
بين الوهم يبحث عن آكيدة .. ما اسّع يوم خَطّنها اقلام
كَشف السر من داره نديده .. كيف النجم عينه ما تنام
كَي من بات يرسف في حديده .. كَي من غَط في ريش النعام
سَبر اغوار لافاق الجديدة .. والتفصيل ما بين الآجام
يبّن ذهن يهلب ع البعيدة .. له جنحان وين يريد حام
مَو حفيان يدمي فيه قَيده .. فوق احراش تدمي فـ الاقدام
هذا كَوت قارع من لهيده .. والمشوار حودد .. والسلام