الانتخابات القادمة: احترام الصندوق لا حرقه!
التجهيزات المادية، المراكز التي جهزتها المفوضية في كل مناطق البلاد، تسجيل الناخبين والتجهيزات التي قالت المفوضية العليا للانتخابات إنها استمرت أكثر من شهر، وأيضا المبالغ التي تلقّتها ليبيا من هولندا وفرنسا ومن الأمم المتحدة وغيرها كدعم مادي لهذا الاستحقاق الديمقراطي، فهل يكفي كل هذا للوصول إلى الهدف الحقيقي من هذه الانتخابات؟
وهل يعي الليبيون ما هم مقبلون عليه؟ وهل يملكون القدرة على اختيار الأفضل لبلادهم بعيدا عن الاعتبارات القبلية والمناطقية؟
تعظم هذه الأسئلة مع اقتراب مارس الذي صار فضفاضا هو الآخر كموعد لم يتم اعتماده بعد لهذه الانتخابات، ومع مرور الوقت يلاحظ مراقبون توجه السياسيين الليبيين إلى الخارج لحصد الدعم المطلوب للبقاء، فيما اتفق البعض على إهمال إصلاح الداخل أو السعي إلى كسب الليبيين الذين سيقررون وحدهم من يبقى ومن يذهب إلى غير رجعة.
وفي الوقت الذي تحمست فيه مدن ليبية بأسرها لهذه الانتخابات وأصبحت السباقة في التجهيز لها مثلما فعلت درنة التي أجبرها الإرهاب على التخلف عن اللحاق بركب الوطن في انتخابات عام “2014”، لتكون اليوم من أول المدن التي أنجزت معظم التجهيزات المتعلقة بالانتخابات، في عودة يتفاءل بها الكثيرون من هذه المدينة إلى حضن الوطن الليبي، يلاحظ مراقبون في نفس الوقت ما يشبه العزوف أو ربما الشعور باللاجدوى من بعض المواطنين الليبيين الذين سبق وأن خذلتهم الانتخابات، أو ربما خذلهم المتمسّكون بالكراسي مند سنوات مضت.
وقبل أيام وقع رئيس مجلس المفوضية الوطنية العليا للانتخابات “عماد السايح” مع نائب المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا “ماريا فال ريبيرو” اتفاقية الدعم التقني وبناء القدرات للمفوضية خلال الدورة الانتخابية المقبلة، ومن خلالها سيقدم المجتمع الدولي الدعم الفني والاستشاري للمفوضية في مجال تنفيذ العمليات الانتخابية و بناء القدرات الوطنية في مختلف مجالاتها وقنواتها، ولا يرى بعض الليبيين هذا كافيا في الوضع الليبي، لأنهم لدغوا من جحر الانتخابات من قبل، إذ انتظموا في انتخابات اختاروا فيها ممثليهم لكن أحدا من السابقين لم يغادر مكانه، وأيضا فإن اللاحقين لم يقدموا للوطن شيئا يساوي ثمن الحبر الذي وضع على الأصابع التي أشارت إليهم، وهذا في حد ذاته خذلان قد يجعل البعض قد يقاطع هذه الانتخابات.
لذلك تسعى المفوضية الوطنية العليا للانتخابات، إضافة إلى بعض الجهات الأهلية والمدنية الأخرى في ليبيا إلى التعريف بأهمية خوض هذا الاستحقاق الذي سيؤدي وحده إلى التغيير، ولن يكون هناك تغيير يرضاه الليبيون بغير الانتخابات النزيهة التي يخوضها الجميع، ويلتزم بنتائجها الجميع دون أي تعنّتٍ أو غرور مناطقي، وبعيدا عن التباهي بالإنجازات التي صنعها الليبيون جميعا، وقريبا من الوطن الذي تنهار لبنة في بنائه العريق كل يوم أمام مرأى ومسمع الجميع.
ومع هذا كله، تبقى الانتخابات الخيار الوحيد، الذي يضمن الحياة المدنية، لكونها تُرسّخ مفهوم واحد وهو أن اللجوء إلى الانتخابات، يُعتبر الضامن الوحيد ليبيا، أمام كم المبادرات التي تتقاطر عليها.