الاشتراكيون بين اليوم والأمس
خالد القشطيني
أصبح قادة الأحزاب الاشتراكية الأوروبية في هذه الأيام رجالاً محترمين وجنتلمانية مؤدبين، بل وأكثر من المحافظين تحفظاً. ولكنهم لم يكونوا كذلك في بداية حركتهم الاشتراكية عندما كانت جذورهم العمالية ما زالت طرية وإيمانهم بمناهضة النظام الرأسمالي القائم ما زال قوياً وحدياً.
والواقع أنهم عندما تسلموا الحكم في بريطانيا في الثلاثينات اضطروا إلى مراجعة الليدي إستر وغيرها من السيدات الأرستقراطيات ليعلمنهم أصول السلوك الرسمي وبروتوكولات الحفلات وتقاليدها. وحتى برنارد شو، الكاتب الاشتراكي الساخر، تطوع لإرشادهم فقال لهم: أول شيء عليكم أن تتذكروه، هو ألا تأكلوا كل طبق من الطعام يقدم لكم كما لو كان هو الطبق الوحيد الذي سيقدم لكم في الوليمة! هناك أطباق أخرى تتبعه!
بالطبع في بيوت العمال لا يأكلون ولا يعرفون غير طبق واحد! هكذا كان الحال في أيام زمان!
ولكن بالإضافة إلى ذلك، كان قادة حزب العمال البريطاني يتقصدون التحدي في كثير من المناسبات. كان من ذلك أن أصر أنورين بيفان، العمالي الأصيل، على لبس سترته العمالية العادية في الحفلات الرسمية بل والملكية أيضاً.
بالإضافة إلى بيفان كان هناك ريتشارد كروسمان وأنطوني كروسلاند اللذان تعمدا تحدي أبناء الطبقة الأرستقراطية والبرجوازية. عين المستر هارولد ولسون، رئيس الحكومة العمالية في الستينات زميله أنطوني كروسلاند وزيراً في حكومته، وبصفته هذه حضر إحدى الحفلات الرسمية. ولكنه حضرها من دون سترة وبالثوب والسروال العادي وحذاء النوم التقليدي. ولكنه شعر بملل من الكلام البرجوازي المتكلف وشكليات الحفلة الرسمية، فخرج وانطلق يتجول في المبنى على غير هدى! وعندما شعر بالتعب، وربما بالثمالة أيضاً، ألقى بنفسه على الأرض وسلم نفسه للنوم في موقع مقابل لباب المراحيض النسائية، بحيث لم يعد بإمكان السيدات أن يدخلن دورة المياه من دون القفز من فوقه أو الدوران حول جسمه الضخم الممتد.
وحدث أن جاءت فتاة خجولة طويلة القامة، قليلة الجمال، تبتغي دخول دورة المياه، ورأت هذه الجثة الكبيرة الممتدة أمام الباب. قفزت من فوقها بشيء من الصعوبة وبحيث أيقظت أنطوني كروسلاند من سباته، ففتح عينيه قليلاً، نظر إليها، وتمتم قائلاً: «هلو، يا ذات الوجه الدميم»!
كرت الفتاة عائدة من حيث أتت وجلست تسترجع أنفاسها في الصالون وتمسح الدموع من عينيها، ثم سألت سيدة كبيرة جالسة بقربها: من هو ذلك الرجل الفظ المضطجع أمام المراحيض؟ فأجابتها السيدة قائلة بنفس رقيق خافت «إنه يا عزيزتي المستر أنطوني كروسلاند، ألم تسمعي به؟ إنه وزير التربية لحكومة صاحبة الجلالة الملكة إليزابيث»!