“الاستماع” إلى ليبيا يهيء للحل السياسي
ترجمة خاصة لقناة (218)
صحيفة “كريستيان ساينس مونيتور” الأميركية
في أواخر يوليو، بعث مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة برسالة قوية إلى شعب ليبيا: أرجوكم عودوا وحدة واحدة. في عام 2011، انقسم الليبيون بسبب الربيع العربي والإطاحة بالدكتاتور معمر القذافي. ومنذ ذلك الحين، اندلعت نزاعات بين المناطق والقبائل وأمراء الحرب والجماعات الإرهابية. ويقوم مبعوث خاص للأمم المتحدة، غسان سلامة، بجولة استماع في شهر أغسطس للعثور على الليبيين الراغبين في التوافق في دولة ديمقراطية.
فن الاستماع الدبلوماسي هو مهارة قيمة في هذه الأيام في عالم تأتي فيه الدول القومية وتذهب. في خريف هذا العام، سيجري كل من الأكراد في العراق والكاتالانيين في إسبانيا استفتاءً حول ما إذا كانوا سيعلنون استقلالهم. إن أحدث أمة في العالم، جنوب السودان، تتعثر بسبب القتال. ولا تزال كوسوفو، التي أعلنت استقلالها عن صربيا في عام 2008، غير ذات سيادة حقا. اسكتلندا هي الأخرى قد تعقد تصويتا جديداً حول ما اذا كانت ستغادر بريطانيا. سوريا واليمن، مثل ليبيا، تشظت بعد عام 2011 وهي عالقة في الحرب. وفي أوكرانيا، تسعى المنطقة الشرقية الناطقة بالروسية إلى الانفصال بقوة السلاح.
ومن بين كل ذلك، فإن ليبيا تحظى الآن بأكبر قدر من الاهتمام من قبل الأمم المتحدة. ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى أن تفككها قد يسبب مشاكل كبيرة في أماكن أخرى. فقد أصبحت ليبيا نقطة انطلاق رئيسية للمهاجرين الأفارقة والعرب الذين يلتمسون اللجوء في أوروبا. ما يقدر بـ 530 ألف شخص ينتظرون عبور البحر الأبيض المتوسط والتوجه لإيطاليا. ومن جهة أخرى أرسلت الجماعات الارهابية فى ليبيا انتحاريين إلى أوروبا ومصر. وقد امتدت الاضطرابات الليبية عبر الحدود إلى جيرانها في شمال أفريقيا.
ومثل البقع الساخنة الأخرى، فإن ليبيا أيضا مهيأة للتدخل الأجنبي. روسيا ومصر يقفان إلى جانب أقوى قائد عسكري، خليفة حفتر، الذي يسيطر على المنطقة الشرقية. ويؤيد الغرب فايز السراج الذي يحمل لقب رئيس الوزراء لكنه لا يملك سوى القليل من النفوذ خارج العاصمة القديمة طرابلس. وفي الوقت نفسه، فإن دول الخليج وتركيا لديها اصبع في هذه الفطيرة.
ولمساعدة جهود الامم المتحدة، جلب الرئيس الفرنسى ايمانويل ماكرون بالزعيمين الليبيين معا لاجراء محادثات خارج باريس الشهر الماضى. وقد أبرما اتفاقا لإجراء انتخابات، ربما في الربيع المقبل، وإيقاف القتال. وقال ماكرون “ان الشعب الليبى يحتاج الى هذا السلام، والبحر المتوسط يستحق هذا السلام” مضيفاً “نحن متأثرون مباشرة” [يعني بالصراع] وساعد الاجتماع على تعزيز شرعية الرجل القوي السيد حفتر والذي يخشى كثير من الناس أنه قد لا يكون ملتزما بالديمقراطية. ولكن طالما ظل داخل عملية السلام برعاية الأمم المتحدة، وظلت القوى الخارجية متفقة حول لم شمل ليبيا، فقد ينجح مبعوث الأمم المتحدة.
السيد سلامة، مثل الوسطاء السابقين في الأزمة، يجب عليه الاستفادة من أساليب ليبيا التقليدية لصنع السلام. فخلال قرون مضت طبق شيوخ القبائل قانوناً عرفياً لحل النزاعات داخل المجتمعات المحلية واستعادة العلاقات. ويحظى هؤلاء “الرجال الحكماء” بالاحترام لقدرتهم على الإنصات وإيجاد وسيلة لتحقيق التوازن بين المصالح وتجديد الوئام الاجتماعي. وفي غياب سلطة الدولة، ساعدت هذه الطريقة على احتواء الكثير من القتال منذ عام 2011.
لا يمكن فرض السلام والوحدة على ليبيا. ولكن الاستماع الذي يخلق فرصاً للتقارب السياسي يمكن أن يساهم في الحل. تشكيل الدولة المتماسكة قد يأتي بأشكال كثيرة في هذه الأيام ويبدو أن هذه الأشكال صارت مرنة. ولكن الشيء الضروري لإقامة دولة، قديمة أو جديدة، يجب أن يأتي بسلام.