الاستسلام ليس خياراً!
محمد الرميحي
العنوان السابق ليس من عندي، هو عنوان كتاب السيد جون بولتون، الذي عُين مستشاراً للأمن القومي الأميركي مؤخراً، ومن المفروض أن يتسلم مهام عمله منتصف شهر أبريل (نيسان) المقبل. شخصياً تعرفت على السيد جون بولتون في إحدى العواصم الخليجية، ودار حوار مع آخرين، حول رؤيته للعلاقات الدولية، وكان قد غادر منصبه منذ زمن، وجاء إلى الحكم في الولايات المتحدة الرئيس باراك أوباما وفريقه المعروف بتبني سياسة الاشتباك السلبي. وقتها لم يخفِ السيد بولتون اختلافه مع سياسة أوباما في الشرق الأوسط، وخاصة فيما يخص إيران، على أنها استرضائية، وسوف تترك نتائج سلبية على العلاقات الدولية والسلم الإقليمي.
السيد بولتون محامٍ بالتدريب، وخدم مندوباً دائماً للولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة 2005 – 2006 في فترة إدارة الرئيس جورج بوش الابن، وقتها كان السائد أن تطلق الصحافة على الرجال حول بوش الابن أو أكثرهم، أنهم المحافظون الجدد، وكان بولتون واحداً منهم، وفي كتابه «الاستسلام ليس خياراً» الذي صدر عام 2007، لا يبخل السيد بولتون برأيه في نقد البيروقراطية في وزارة الخارجية الأميركية، عندما كان يعمل معها، كان يرى أنها معطلة وبطيئة في اتخاذ القرار، بما لا يناسب موقع الولايات المتحدة العالمي، كما يسرد بالتفصيل معاركه في ساحة الأمم المتحدة، من حيث نقد بيروقراطيتها وبعثرتها للأموال من جهة، ومن حيث أهمية إصلاح مؤسساتها من الداخل من جهة أخرى، أو من حيث نقد جريء لتصرف بعض أعضائها، وخاصة من الدول الصغيرة، التي ترغب في إثارة المشكلات كما يراها من جهة ثالثة. بعد إعلان تعيين بولتون مستشاراً للأمن القومي، ومع ما عرف عنه من مواقف سياسية سابقة، تم نقد ذلك التعيين من كل من كوريا الشمالية وإيران، وذلك طبيعي أيضاً، حيث يرى أن إيران وكوريا الشمالية لا أكثر من «دولتين فاشلتين)! ويأتي هذا التعيين بعد ترشيح مايك بومبيو وزيراً للخارجية، وهو أيضاً من المميزين، فقد انتخب عدداً من المرات لمجلس النواب الأميركي، وهو ذو خلفية في الخدمة العسكرية والأكاديمية، ويحمل إجازة عالية في القانون من جامعة هارفارد، وأهم أعماله التقرير الذي أصدرته اللجنة التي كان يرأسها، وعرف باسمه، في قضية مقتل السفير الأميركي في بنغازي بليبيا، في سبتمبر (أيلول) 2012. وكانت هيلاري كلينتون وزيرة للخارجية!
بعد هذه التعيينات يكون فريق الرئيس ترمب شبه اكتمل، ودخلت سياسته الخارجية فيما يمكن أن يوصف بالمرحلة الثالثة. المرحلة الأولى كانت أفكاره العامة الخام في السياسة الخارجية، إبان حملة الانتخابات، والثانية العام المنصرم في الإدارة، وكانت مرحلة ارتباك وتغيير، والمرحلة الثالثة مرحلة الاستقرار والحسم!
السؤال الذي يتردد دائماً هو هل الأفراد هم من يؤثر في السياسة، وخاصة مما نبحثه هنا (السياسة الخارجية الأميركية)، أم أن المؤسسات هي التي تقرر السياسات؟ هنا نجد الكثير من اختلاف وجهات النظر، بل وحتى الجدل؛ البعض يقول كلاهما، ولكن ذلك يتبعه سؤال آخر، ما هي النسبة التي تشكل رأي الأفراد، والنسبة التي تشكل رأي المؤسسات، في رسم السياسات وتنفيذها. إذا أخذنا في الاعتبار الصلاحيات الممنوحة للرئيس الأميركي،، فهو يستطيع أن يشكل السياسات، وخاصة الخارجية، بمفرده أو بعدد محدود من طاقمه القريب، وهذا ما يتم الآن في الولايات المتحدة، ولكن بشكل أكثر تركيزاً، فبعد تجربة نحو أربعة عشر شهراً في السلطة، منذ انتخاب دونالد ترمب، الذي جرب عدداً من الشخصيات في مراكز مهمة في إدارته، أصبح من خلال التجربة يسعى إلى إصلاح ما أخطأ فيه بالاختيار أول مرة، وكان ذلك طبيعياً، فهو قادم من خارج النخب السياسية التقليدية، إلا أن القارئ للتاريخ يجد أن (الأشخاص) مؤثرون إلى حد كبير في سير الأحداث، سواء في الولايات المتحدة أو غيرها من الدول.. هؤلاء الأشخاص تركوا بصمتهم وفي بعض الأوقات غردوا خارج السرب إن صح التعبير، من أجل تحقيق ما يعتقدون أنه الصواب. حتى الكتب التي كتبت حول صعود السيد ترمب تنبئ عن ذلك التوجه، أي التصرف الشخصي فيما يعتقد، ففي كتاب عن ستيف بانون، الذي هو عراب ترمب في النصف الثاني من حملته الانتخابية، وكان يُكنى في وقت بـ«عقل ترمب» كتبه الصحافي جوشوا غرين، وكان بعنوان «صفقة مع الشيطان» نقل الأخير نصيحة بانون لمساعدي ترمب، بعد أن اشتدت حملة الانتخابات وسخنت، وكان ترمب يقول ويصرح بأمور ضد وجهة نظر مستشاريه، قال: اتركوه على سجيته، فهي التي تُكسب الأصوات. وتلك السجية هي التي جعلت من ترمب يختلف مع أو يتخلص من كثير من مساعديه، بمن فيهم بانون نفسه، لأنهم حاولوا أن يعوقوه في مسألة أو أخرى، من المسائل السياسية التي يرغب في تحقيقها. من المبكر أن يحكم أحد بشكل قطعي على مسيرة ترمب السياسية، إلا أن المؤكد أنه «شخص استثنائي» في سلسلة رؤساء الولايات المتحدة في العصر الحديث، يعمل ما يعتقد، دون استماع إلى رأي «المؤسسة»، وحتى قبل أن يكتمل الفريق الجديد، فإن ترمب كان يرى أن «سياسة الاسترضاء» التي اتبعها أوباما تجاه إيران كانت فاشلة، وأن الرهان الأوبامي لم يكن ذا قيمة سياسية، فقد استفادت منه إيران، وخسرت بسببه الولايات المتحدة، وفقط بالضغط الدبلوماسي، رضخت أوروبا لرؤية ترمب في هذا الملف، والتي كانت ترى في الاتفاق أنه أفضل الممكن، رضخت لتعديل ما في الاتفاق من عوار، ولكن فشل وزير خارجية فرنسا في مهمته في طهران مؤخراً، جعل حتى من الأوروبيين أن يقتنعوا بأن إيران تريد أن «تأكل الكعكة وتحتفظ بها أيضاً». واضح أن أحد الأركان التي يعتمد عليها ترمب في اتخاذ قراراته السياسية، ما يمكن أن يسمى (تعبئة السخط)، كان ناجحاً فيها عندما عبأ السخط المنتشر في مشاعر شريحة واسعة من المواطنين الأميركيين ضد سياسات أوباما، ونجح في ربط سياسات الأخير بتوجهات منافسته هيلاري كلينتون في الحملة الانتخابية الأخيرة، والتي اعترفت مؤخراً في كتبها بأنها أخطأت في قراءة المزاج الأميركي، كما نجح من جهة أخرى في تعبئة السخط في عدم توازن ميزان المدفوعات الأميركي وفرض رسوم على الواردات، حتى مع أقرب حلفاء أميركا التقليديين، كندا والمكسيك، كما أدخل الصين الطامحة للقيادة الاقتصادية في العالم، على الأقل في حالة ارتباك، فهي تندد بسياسته في فرض الرسوم على منتجاتها، ولكنها لا تستطيع أن تفعل الكثير على الأرض. الفريق الجديد إذا رفع سقف التوقعات لدى مناصري ترمب السياسيين ولدى المؤسسة السياسية الأميركية المحافظة، ولدى الحلفاء في الخارج، وأصبح تراث الانشقاقات بين شخوص الإدارة تاريخاً سابقاً، ولم يعد بالإمكان ظهور «سياسات هجينة» أو مترددة في عدد من الملفات الساخنة، الفريق الجديد أمامه ثلاث خطوات مهمة في السياسة الخارجية، هي بناء التحالفات، وتحديد الأولويات، ثم اختيار الوسائل لتعديل موازين القوى في مناطق النزاع! وفي مجملها التموضع من أجل «الدفاع عن المصالح الأميركية وحلفائها»، فالعواصم العالمية تنتظر تلك الخطوات، بعد أن اكتمل الفريق كما يريده الرئيس! وهو فريق واضح أن شعاره «الاستسلام ليس من خياراته»!
آخر الكلام:
طرد كل هذا العدد من الدبلوماسيين الروس من كل هذه الدول، وأغلب المطرودين من الولايات المتحدة، يعني من جديد «توظيف السخط» للضغط على روسيا الاتحادية، كي تعيد حساباتها في عدد من الملفات!