الإصلاح عند زايد العقل
ربيع شرير
يقول الإمام علي كرم الله وجهه “اضرب بعض الرأي ببعضه؛ يتولّد منه الصواب” أمّا النص المقدس إدارياً وقانونياً فيقول بأن لمجلس إدارة مصرف ليبيا المركزي مجتمعاً مهمّة تحديد “القيمة التعادلية للدينار الليبي بوحدات حقوق السحب الخاصة، أو بأيّ عملة أجنبية قابلة للتحويل أو وفقاً لتفاعل قوى العرض والطلب في سوق النقد الأجنبي”.
والجامع بين القولين هو أن الرأي، عندما يصدر عن جماعة، فيه سداد وزيادة عقل.
وبالحديث عن القانون والعقل، فإنّ النصوص المحكمة ليس لها طرقٌ عدةٌ كروما، بل طريق واحد كالصراط، ومن تلاعب على الصراط سقط.
وللصراط وجهان، وجه للحق وهو في يوم الحساب عند الله، ووجه للباطل نراه في ليبيا كل يوم على أطلال الحساب البنكي، يمتد من أبواب المصارف إلى آخر ليبي مرمي على الرصيف.
ولأمرٍ ما يعتقد جمع من النخبة والساسة واليائسين أنّه على الرغم من هذا الألم العميم، فإنَّ المظاهرات الصغيرة على رصيف ميدان الجزائر، لا تعدو كونها محاولات بائسة لأطفال المجتمع المدني، يعلو فيها الصراخ المرّ، حتى يتقدّم أحدهم ليضع لهم “اللهايات”، فيعودون كالطيور، و”كري وكري”.
ولأكون منصفاً، كلامهم فيما يتعلق باللهايات صحيح، اللهايات أحجام، قد تبدأ بالوعود الكاذبة، وتكبر مع اشتداد الضغط، لتصبح حفنة دولارات نتحول بها “السبعة ملايين ليبي” إلى صورة لأولئك الذين نتظاهر ضدّهم، فنشتري مثلهم من السوق البيضاء، ونبيع في سواد سوق المشير.
لكن، ولسبب رباني، لحظات القدر الرهيبة في ليبيا (تحدث كل يوم!!) لذلك حتى الضمير الميت، يخاف أن يصحو على مظاهرة صغيرة في ميدان الجزائر، لحفنة من رجال المجتمع المدني، تبدأ كزخات المطر، تنهمر كسيل في شارع المقريف، وتصبّ في بحر ميدان الشهداء العظيم، وللميدان آيات لعلّكم تتذكرون.
لذلك كان لزاماً على الجميع، رفع راية الإصلاح، فالراية الحمراء لا تبعث في الإنسان روح الأمل، والإنسان الذي لا توفر له السيولة، إما أن تبيعه الدولار بالسعر الرسمي، أو تبيعه الأمل في الإصلاح.
ولإصلاح السياسات النقدية باب واحد، هو لجنة إدارة مصرف ليبيا المركزي، لكن ليس للمحافظ الصديق الكبير من لجنة إدارته إلا عضو اللجنة طارق المقريف، فالأربعة الباقون ضدّه، والعضو الخامس استقال، وأمامنا خياران، الأول أن يستلم محمد الشكري مهمّة المحافظ ويشكّل لجنة إدارته، ويباشر في الإصلاحات، أو الحل الثاني وهو الأنسب، أن نبعث في الإنسان روح الأمل!!
وبالطبع، اخترنا الحل الأنسب!!
وهنا تمخّض رأي المحافظ ورأي مجلس الدولة، عن نقل الكرة من ملعبها الحقيقي “المركزي” إلى ملعبها الوهمي “الرئاسي”.
لمَ لا؟! فالمظاهرات تسبّ السراج كثيراً والكبير قليلاً، ولا تعرج على المشري.
وليبعث في السراج روح الأمل، ويسوقه مبتسماً إلى إشكال قانوني، قدّم الأعلى استشارته غير الملزمة للرئاسي؛ بفرض ضريبة سعر صرف 200%، داعماً اقتراحاته بمجموعة من اللقاءات والابتسامات، وتصريحات الإزالة لغرض الإصلاح، مستنداً في ذلك إلى الاختصاصات الأصيلة للجنة الشعبية العامة للمجلس الرئاسي.
لكن، ولغياب مستند قانوني، ركل الرئاسي كرة الإصلاح إلى وكرها الأبدي، مصرف ليبيا المركزي، وسينخفض الدينار أكثر، وترتفع راية الكبير الحمراء مجدداً، وستعلُو الأصوات، انظري يا أوروبا انظري يا أمريكا، اللجنة الشعبية للرئاسي “بتعمل إيه”
لكن الحقيقة هي أن تغيير سعر الصرف ليس من اختصاصات المجلس الرئاسي، ولا مجلس الدولة، ولا محافظ ينزوي في الركن وحيداً، ولا أوروبا، ولا أمريكا.
الإصلاحات في السياسات النقدية من اختصاصات (مجلس إدارة مصرف ليبيا المركزي مكتمل النصاب) باختصار شديد، الإصلاحات عند زايد العقل.