الإرهابيون القتلة
محمد حبيب
(1)
كرم الله النفس الإنسانية، وأسبغ عليها نعمه الظاهرة والباطنة، وأعلى مكانتها ومنزلتها، كما جاء فى قوله تعالى: «وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِى آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِى الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا» (الإسراء: ٧٠)، بل إنه سبحانه سخر لها كل شىء فى هذا الكون حتى تستطيع ممارسة حياتها فى سهولة ويسر، فقال: «وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ. وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِى فِى الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ. وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ. وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ. وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ. وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ. وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا» (إبراهيم: ٣٢-٣٤).. وقد جعل الله الاعتداء على هذه النفس، اعتداء على البشرية كلها، لذا قال جل وعلا: «مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِى إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِى الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا» (المائدة: ٣٢).. ومن ثم، فإن جريمة القتل التى ارتكبها الإرهابيون فى مصر قبل شهر رمضان بيوم واحد، وما سبقها من جرائم بشعة يشيب لهولها الولدان، هى قتل للناس جميعا.. ولا يرتكب هذه الجرائم إلا جهلة مأجورون، امتلأت قلوبهم حقدا وكراهية، وفقدوا عقولهم وإنسانيتهم، وتحولوا إلى ما هو أدنى وأحط من الوحوش فى الغابة.. إن الضحايا الأبرياء لم يرتكبوا ذنبا حتى يلقوا حتفهم على أيدى هؤلاء الإرهابيين القتلة، فضلا عن أنه ليس من حق أحد – أيا كان – أن يحرمهم حقهم فى الحياة.. نسأل الله تعالى أن يثبت قلوب أهليهم وذويهم وأن يلهمهم الصبر والسلوان، وأن يعوضهم خيرا، ولله ما أخذ ولله ما اعطى وكل شىء عنده بمقدار، وإنا لله وإنا اليه راجعون.
(2)
من المؤكد أنه عقب الجرائم الإرهابية التى أصابت إخواننا المسيحيين داخل بعض الكنائس فى مصر والتى راح ضحيتها الكثيرون- زادت عمليات التأمين والحماية لكل الكنائس والمنشآت المسيحية الموجودة؛ سواء على مستوى المدينة أو القرية أو الكفر أو حتى النجع.. وبالتالى صار من الصعب على الإرهابيين أن يقوموا بارتكاب جرائمهم على النحو الذى سبق، إذ لم تعد هناك تلك الثغرات التى كانوا ينفذون منها.. لذا، بدأوا يبحثون عن أهداف متحركة، وفى بيئة بعيدة عن العمران، بحيث يصعب تأمينها وحمايتها.. راقبوا ورصدوا، وأخيرا – وبعد لأى – وجدوا بغيتهم فى تلك الحافلات التى تتوجه فى المناسبات إلى الأديرة التى تقبع فى عمق الصحراء.. كان الهدف سهلا؛ حافلة تقل حوالى أربعين من المسيحيين ذاهبين إلى دير الأنباء صموئيل القابع فى جبل القلمون، بين الفيوم ومغاغة وعلى بعد حوالى ٢٨ كيلو مترا غرب الطريق الأسفلتى.. إن مساحة مصر تبلغ مليون كيلومتر مربع، وتمثل الصحراء حوالى ٩٣٪ من هذه المساحة.. وإذا كانت الأجهزة المعنية قادرة على تأمين وحماية المساحة المأهولة (أى الـ ٧٪)، فإنه من الصعب – بل يكاد يكون مستحيلا – عليها أن تفرض حمايتها وتأمينها طوال الوقت على الصحراء كلها..لكن، هناك مساحات ومناطق معينة لابد من وضعها فى الاعتبار، خاصة تلك المناطق التى توجد بها أديرة ويحرص بعض إخواننا المسيحيين على زيارتها والتردد عليها ولو بصفة شبه منتظمة..والمطلوب أن تكون لدى الأجهزة المعنية فى كل محافظة معلومات دقيقة عن هذه الأماكن والمترددين عليها، أيا كانت أعدادهم، وأن يكون لدى هذه الأجهزة رؤية وتخطيط وترتيب لمتابعة الطرق المؤدية إليها، بحيث تتمكن من إحباط أو إجهاض أى محاولة قبل وقوعها.
(3)
أما لماذا اختار الإرهابيون القتلة إخواننا المسيحيين لتنفيذ مخططهم فذلك لعدة أسباب؛ أولها: أن استهداف المسيحيين يستقطب اهتمام العالم بأسره؛ شرقا وغربا، وأن النظام المصرى غير قادر على توفير الأمن والحماية لهم، ولعلنا رأينا كيف أن جميع الفضائيات (عربيا ودوليا) سارعت إلى بث الخبر والتعليق عليه، ثانيا: أن الإرهابيين يعتقدون أن إخواننا المسيحيين كان لهم دور مؤثر وفاعل فى ثورة ٣٠ يونيو، وأنهم بذلك أضاعوا عليهم فرصة العمر فى تطبيق الشريعة الإسلامية من ناحية (!)، وبقاء واستمرار «الدولة الإسلامية» وتنفيذ مخططاتها وأهدافها، إقليميا ودوليا، من ناحية أخرى، وثالثا: أنهم أرادوا أن يؤكدوا لإخواننا المسيحيين أنهم مواطنون من الدرجة الثانية، وبالتالى ليس من حقهم أن يثوروا ولا أن يعترضوا على شىء، وهذا فى حد ذاته يمثل تخلفا علميا وحضاريا وإنسانيا.. ثم، من الذى أعطى هؤلاء الإرهابيين حق قتلهم، والله تعالى يقول: «وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِى حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ. ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ» (الأنعام: ١٥١)، والحديث هنا عن النفس الإنسانية، بغض النظر عن دينها أو عقيدتها أو مذهبها..لقد نسى هؤلاء – أو تناسوا – أن الإخوان فشلوا فى إدارة الدولة، وأوشكوا أن يدفعوا بها إلى أتون حرب أهلية.
(4)
والسؤال الذى يفرض نفسه هو: هل من حق المؤسسات المسؤولة فى مصر أن تقوم بتوجيه ضربات لمراكز ومعسكرات تدريب الجماعات الإرهابية فى ليبيا، والتى تقوم بتصدير الإرهاب إلى مصر؟، والجواب: نعم، بل هو من واجبها؛ أولا: لحماية أرواح مواطنيها، وتوفير الأمن والأمان والطمأنينة والاستقرار لهم، وثانيا: للمحافظة على أمن مصر القومى، ولها أن تتخذ من الوسائل والأدوات ما تردع به كل من تسول له نفسه مجرد التفكير فى الاعتداء عليه.. إن ليبيا لم تعد دولة، لها كيانها ونظامها ومؤسساتها وسيادتها، بل أصبحت مجرد شتات ممزق، سوق مضطربة، جماعات إرهابية وتشكيلات مسلحة يقاتل بعضها بعضا، وساحة حرب يلعب فيها الجميع؛ من قوى متعددة (داخلية وخارجية).. منذ ٦ سنوات وهى هدف لكل صاحب مصلحة، وما أكثرهم..السلاح يتم تهريبه إلى الجماعات الإرهابية، هذا فى الوقت الذى يحرم فيه الجيش الوطنى الليبى من الحصول على السلاح.. الإرهابيون الذين ضيق عليهم الخناق فى العراق وسوريا، يفرون عبر تركيا إلى ليبيا للانضمام إلى الجماعات الإرهابية هناك..ومن ثم أصبحت ليبيا مصدرا للمتاعب وإثارة القلاقل لجيرانها، خاصة مصر، الأمر الذى تطلب موقفا جادا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صحيفة “المصري اليوم” المصرية