الإخوان المسلمون في ليبيا.. من الجماعة إلى الجمعية
الحسين المسوري
أعلنت جماعة الإخوان في ليبيا، الأسبوع الماضي تغيير اسمها إلى جمعية (الإحياء والتجديد)، مشيرة إلى أن أهداف هذه الجمعية هي (إحياء الدعوة إلى التمسك بمنهج الإسلام الوسطي وتعاليمه، وتجديد يستلهم أصول وثوابت الإسلام).
هذا البيان الجديد في توقيت صدوره هو مضمون قديم لأسلوب جماعة الإخوان المسلين التي تحاول تغيير لونها والإطلالة على المجتمع بقناع جديد، فهم دائمًا من يروج للناس أنهم مصلحون هدفهم عمل الخير والدعوة للدين وأنهم زاهدون في السلطة ولا يسعون للوصول إلى الحكم، فعندما تم تأسيس (حزب العدالة والبناء) قبل سنوات، كانوا ولازالو ينكرون أن الحزب هو الذراع السياسية لجماعة الإخوان في ليبيا، بل إن المرشحين (الفردي) في انتخابات المؤتمر الوطني سنة 2012 لم يذكروا في دعاياتهم الانتخابية أنهم أعضاء بجماعة الإخوان، ربما لأن الجماعة كان لديهما خوف من رفض المجتمع الليبي لهم، وبالتالي استخدموا (التقية) وعلى ما يبدو خوفهم كان في محله.
أعتقد أن استخدام (التقية) والإصرار على نكران أن هذا الحزب أو المرشح ينتمي لـ(الإخوان) أمر تستخدمه جماعة الإخوان المسلمين لأسباب أيديولوجية، فهم يرون أنهم تنظيم دعوي إسلامي وأنهم يمثلون الدين الإسلامي وهم ورثة الخلافة الإسلامية، فبحسب هيكلية التنظيم فإن (المرشد العام) هو بمثابة (الخليفة أو أمير المؤمنين) ويقدمون البيعة له، ويعتقدون بأن خسارتهم في الانتخابات هي خسارة الإسلام، وبالتالي لا يمكن أن يقبلوا الخسارة في الانتخابات وأن يرفضهم المسلمون، فهم يستخدمون عامل الدين الذي بطبيعته هو فوق الانتخابات.
أما بالنسبة لرفض كثير من الليبيين جماعة الإخوان، أعتقد أن السبب هو تأييد الإخوان والمشاركة في انقلاب (فجر ليبيا) عقب نتائج انتخابات البرلمان سنة 2014 والسيطرة على مؤسسات الدولة في العاصمة بقوة السلاح وتشكيل حكومة انقلابيين ودعمهم للجماعات الإرهابية في درنة وبنغازي وتقديم الغطاء السياسي والدعم اللوجستي لهذه الجماعات المتطرفة أسقط عن الإخوان أنهم حزب سياسي يؤمن بالديمقراطية والتداول السلمي للسلطة وسحب منهم ثقة الناس وأثبتوا بهذه الأفعال أنهم تنظيم فاشٍ، ينقلب على صندوق الاقتراع بقوة السلاح متى أتاحت لهم الظروف ذلك.
لذلك فإن معالجة هذا الأخطاء والسقطات الكبيرة بتغيير الاسم فقط دون مراجعة نقدية ذاتية كاملة للمشروع هو أمر مثير للسخرية ولا جدوى منه في العمل السياسي، فهذا الأسلوب تقوم به عادة بعض الشركات والمطاعم التي تتورط في تقديم منتجات غذائية ووجبات فاسدة فتغير اسم الشركة أو المطعم للعودة إلى تسويق منتجاتها في السوق من جديد.
فمشروع (جماعة الإخوان المسلمين) في مجمله لا يعترف بالدولة الوطنية فليبيا بالنسبة لهم مجرد ولاية تابعة للمرشد ورئيس ليبيا هو بمثابة المراقب العام للإخوان المسلمين فرع ليبيا، الذي يجب عليه أن ينتظر الأوامر من المرشد العام، وبما أن هذا المشروع فشل في معقله التاريخي بمصر وتلقى ضربة قوية على مختلف الأصعدة، فإن محاولة إعادة هذا المشروع انطلاقًا من ليبيا أمر غير منطقي وغير واقعي ولا تستطيع ليبيا تحمله ولا تحقيقه، فليبيا دولة لا يتعدى عدد سكانها ملايين نسمة، ولا تمتلك القدرات السياسية والاقتصادية والمالية لتدخل ضمن مشروع أيديولوجي إقليمي أو دولي، فبلادنا هي دولة تحاول النهوض، ومن الغباء الزج بها في صراعات أيدييولوجية، ويجب أن نستفيد ونعتبر من ضياع 42 سنة تارة باسم القومية العربية وأخرى باسم القيادة الإسلامية وأخرى باسم ليبيا الأفريقية.