الأمية في ليبيا.. عندما يصبح “المستقبل على المحك”
حسب إحصاءات عام 2014 التي لم تشمل كافة مدن ليبيا فإن نسبة الأمية بلغت 11.6% من عدد السكان.
ترتاد الطفلة عائشة (9 سنوات) مدرسة لمحو الأمية في سبها بدلاً عن توجهها لمدرسة ابتدائية أسوة بأقرانها من الأطفال بمثل عمرها.
يقول علي محمد (47 عاماً) وهو والد عائشة، إنهم نزحوا من سبها (جنوب غرب ليبيا) سنة 2014 إلى العاصمة طرابلس “لأسباب أمنية”، ولم تستطع ابنته الالتحاق بالمدرسة طيلة فترة النزوح، وعندما عادوا إلى سبها التحقت الطفلة بمدرسة لمحو الأمية لتدرس عامين في عام واحد، لعلها تتمكن بعدها من العودة لحياتها المدرسية الطبيعية.
مستقبل على المحك
وتناقلت صفحات التواصل الاجتماعي إحصائية منسوبة لمنظمة اليونسكو أعلنتها في التاسع من سبتمبر هذا العام تشير إلى أن نسبة الأمية في ليبيا وصلت إلى 15%.
“مراسلون” توجه لمكتب محو الأمية في سبها الذي كان خالياً بسبب أزمة الوقود في المدينة، باستثناء موظف واحد لا يملك التصريح ولم يستطع المساعدة إلا بتحديد موعد مع مديرة المكتب بثينة محمد. تقول بثينة إن المسجلين بمكتبها بلغ عددهم 400 طالب، منهم 5% تحت سن 13 عاماً، وهي حالات بدأت تأتيهم في السنوات الأخيرة بسبب أوضاع البلاد المتوترة والنزوح والحروب، حيث يتم وضعهم في فصول منفصلة عن الكبار للاهتمام بهم بشكل خاص، “فمستقبلهم على المحك” تؤكد بثينة.
أهم الأسباب
تعلق آمال الهنقاري الخبيرة الدولية في حقوق الطفل وعضو لجنة حقوق الطفل في الاتحاد الأفريقي “كنا نفخر بأننا قهرنا الأمية في بلادنا”، وكان من النادر وجود أطفال لم يدخلوا المدرسة رغم أن التسرب من المدارس كان موجوداً، لكن لا يقارن بالوضع الحالي الذي أصبحت فيه “مغريات الخروج من التعليم والبحث عن وسيلة أخرى للعيش كبيرة” حسب وصفها.
وتضيف الهنقاري أن أسباباً مختلفة ساهمت في انتشار الأمية في ليبيا بشكل عام، منها عدم استقرار مواعيد الدراسة والحروب والنزوح والوضع الأمني، وزيادة على ذلك قلة السيولة المالية لدى الأسر الليبية.
وحسب اعتقادها فإن بداية علاج أي مشكلة هي الاعتراف بها والسعي لحلها وتحديدها بالضبط، عبر إجراء إحصاءات شاملة للدولة بالكامل تحدد العدد الحقيقي للأميين في ليبيا.
لا يجب حرمانهم
شريحة أخرى ترتاد مدرسة محو الأمية في سبها هم الذين لا يحملون أرقاماً وطنية لأسباب متعددة (الأجانب أو أبناء اللليبيات المتزوجات من أجانب أو الليبيون العائدون من المهجر ولم تسوى أوضاع إقاماتهم وغيرهم)، ولكن حسب كلام بثينة فإن المكتب سيتوقف عن استقبالهم بموجب كتاب أصدرته وزارة التعليم يقضي بمنع قبول من لا يحملون أرقاماً وطنية في مدارس محو الأمية أسوة بالمدارس العادية.
فيما ترى الهنقاري أنه يجب عدم منعهم من التعليم في المدارس الليبية، “لأنهم ولدوا على أرضها”، وقضيتهم جدلية يفصل فيها القانون والدستور لاحقاً، لكن “لا يجب حرمان طفل من حقه في التعليم” تؤكد آمال.
وبشكل عام عبرت المنظمة العربية للثقافة والعلوم “الاليسكو” عن مخاوفها الحقيقية بشأن تراجع جهود محو الأمية في العالم العربي، حيث ذكرت في بيانها الصادر في 2015 بمناسبة اليوم العالمي لمحو الأمية أن ما تشهده المنطقة العربية من حروب وموجة نزوح نتج عنه حرمان حوالي 13,5 مليون طفل في الدول (العراق وسوريا واليمن وليبيا) من تلقي تعليم مدرسي.
العدد الحقيقي أكبر
وعلى مستوى الدولة الليبية تقول سالمة الشيباني الموظفة بمكتب محو الأمية في وزارة التعليم بطرابلس “توجد 106 مدرسة لمحو الأمية في ليبيا، يدرس فيها حوالي 500 ألف طالب، ومن خلال هذا الرقم فإن نسبة الأمية في ليبيا 11.6% من عدد السكان”، مشيرة أن هذه الإحصاءات وفق عام 2014 وتشمل المدن التي أرسلت بياناتها فقط، وترجح أن تكون الإحصائية أكبر من ذلك بسبب عدم وصول بيانات بعض المدن.
وتوضح الشيباني أن برنامج محو الأمية يستهدف فئات معينة، وهم الذين تجاوزوا خمسة عشر عاماً ولم يدخلوا المدرسة، أو الذين لم يجتازوا الصف الرابع بنجاح, والمتسربين من المدارس, وذوي الإعاقة والعمال والموظفين الراغبين بإكمال تعليمهم خارج أوقات الدوام الرسمي وربات البيوت ونزلاء السجون.
ولكن هذا البرنامج مهدد بالإيقاف بسبب قلة الإمكانات بحسب الشيباني، “وفعلا أُقفلت بعض مدارس محو الأمية في كثير من المدن الليبية”.
ورغم كل ذلك، فإن ليبيا ما تزال تملك إحصائية متقدمة في نسبة المتعلمين مقارنة ببعض الدول العربية والإفريقية كما يقول مصطفى عمر الموظف في منظمة اليونيسف التابعة للأمم المتحدة وذلك وفق إحصاءات العام 2015 التي أوضحت أن نسبة المتعلمين من الإناث بلغت 85% و91% من الذكور.
* نقلا عن موقع “مراسلون ليبيا”