“الأطلنطي”: روما تؤمن بحفتر.. وتدخُل ترامب “عسكريا” مُستبعد
كتبت إليسا ميلر، مدير مساعد في مركز رفيق الحريري للشرق الأوسط – في المعهد الأطلنطي في واشنطن حول سياسة إدرة ترامب نحو ليبيا عقب اللقاء الأخير الذي جمع بين ترامب ورئيس الوزراء الإيطالي باولو جنتيلوني وما دار من تصريحات مفاجئة لجنتيلوني في المؤتمر الصحفي يوم الخميس الماضي.
تطرّقت ميلر في المقال إلى الوضع الليبي الراهن ومؤشرات اندلاع حرب أهلية في ظل تفاقم الأزمة السياسية وتصلّب مواقف الأطراف المتنازعة والاشتباكات الأخيرة في سبها جنوب ليبيا، ودعوة السّراج المجتمع الدولي إلى التدخّل، انتهاءً بالمؤتمر الصحفي الذي جمع بين جنتيلوني وترامب حيث قال الأخير إن دور الولايات المتحدة في ليبيا سيقتصر على قتال داعش، مؤكدًا أنّ “الولايات المتحدة لديها ما يكفي من الأدوار”.
بدت تصريحات ترامب “كدلو ماء بارد” تلقته روما التي تسعى جاهدةً إلى إبقاء تحقيق الاستقرار في ليبيا على رأس أولوياتها وعملت على إبقاء ليبيا في جدول أعمال المجتمع الدولي. وعلى الرغم من دعم إيطاليا للمفاوضات التي رعتها الأمم المتحدة وما أفضت إليه من تشكيل المجلس الرئاسي وحكومة الوفاق الوطني، تُدرك أيضًا أهمية إشراك حفتر في التسوية. إنّ اهتمام إيطاليا البالغ بليبيا دعاها إلى أن تكون السبّاقة بين الدول الأوروبية في إعادة فتح سفارتها في طرابلس، فيما يبدو كإشارة لدعمها حكومة السّرّاج، إلى جانب دعوة وزير الخارجية أنجيلينو ألفانو في زيارته الأخيرة للولايات المتحدة إلى النظر إلى ليبيا باعتبارها على قمة الأولويات فيما يتعلّق بالأمن العالمي.
تُشير ميلر إلى أن تصريحات ترامب تصبّ في مسار النهج القوي الذي تسلكه الولايات المتحدة في محاربة الإرهاب وعلى الأخص “داعش”، غير أنّ هذه الجهود محصورة في عملية محدودة لا تُلزم الولايات المتحدة بالتعامل مع تحقيق الاستقرار كمسؤولية تقع على عاتقها، بالرغم من المصالح طويلة الأمد التي ستحققها الولايات المتحدة في ليبيا أكثر استقرارًا: فانتشار الصراع إلى دول الجوار الحليفة للولايات المتحدة وأوروبا يُهدّد أمن الدول الغربية برمّته، كما أنّ الايديولوجيات المتطرفة لن تنتهي بالتخلّص من داعش. وهذا لا يتوافق مع تصريحات ترامب في مؤتمره مع جنتيلوني ، حين أشار إلى أنّ الدور الرئيس للولايات المتحدة هو تخليص العالم من داعش سواءً في العراق أو في ليبيا أو في أي مكان آخر، مؤكّدًا أنّ “هذا الدور سينتهي عند نقطة معينة”.
في هذا الصدد، ترى الكاتبة أن على إيطاليا أن تسأل نفسها ماذا عليها أن تفعل الآن؟ فلا خيار أمام جنتيلوني سوى أن يُظهر زيارته للولايات المتحدة ولقاءه مع ترامب بأنّها تكلّلتا بالنجاح. فقد أشاد ترامب “بالدور القيادي” لروما من أجل “تحقيق الاستقرار في ليبيا” و”جهودها الهامّة في دفع داعش بعيدًا عن تحقيق أملها في الحصول على موطئ قدم في البحر الأبيض المتوسط. كما تضمّنت تصريحات ترامب أن اجتثاث جذور داعش من ليبيا أمرٌ ذو أهمية بالغة لإيطاليا، بل أوروبا التي تخشى من امتداد أذرع الجماعات المتطرفة إلى جنوبها. على الرغم غياب أي تصريحات معلنة، فمن المحتمل أن جنتيلوني أخذ من ترامب تعهّدًا بمواصلة دعم العملية التي تدعمها الأمم المتحدة وحكومة الوفاق والمجلس الرئاسي وألّا يوجّه دعمه نحو حفتر، حيث كانت إيطاليا صارمة في موقفها الرامي إلى أن دعم حفتر سيؤدي إلى تصّعيد النزاع. كما لا يبدو أنّ ترامب سيلقي بالًا لدعوة السّراج إلى التدخّل، ولن يرفع من مستوى أهمية ليبيا كما تأمل إيطاليا، إضافةً إلى عدم وجود أي مؤشرات على أنّ الولايات المتحدة ستغيّر من سياستها لصالح حفتر.
ترى ميلر أنّ جهود إيطاليا وأصحاب المصلحة من أوروبا يجب أن تتوجه للضغط على حفتر ورعاته الدوليين ليجلسوا إلى طاولة المفاوضات. ففيما سيرى البعض في تصريحات ترامب رفضًا للتدخل الأميركي في ليبيا بشكل قاطع باستثناء محاربة داعش، ما يزال أمام إيطاليا فُسحة لحثّ الولايات المتحدة على وضع ثقلها الدبلوماسي للدفع نحو التوصل إلى اتفاق. وحتى يحدث هذا، لا بد من أن تقف أوروبا كجبهة موحّدة في دعم المجلس الرئاسي وحكومة الوفاق الوطني وعملية الأمم المتحدة، كما يجب على الاتحاد الأوروبي أن يعمل بالشراكة مع دول عربية مثل مصر لوقف دعمها لحفتر. ترى ميلر أن نجاح الجهود في هذا الاتجاه من شأنه أن يقنع الولايات المتحدة باستثمار قيادتها الدبلوماسية في إيجاد حلّ للصراع الليبي.
وختمت ميلر المقال قائلةً:
كما يجب على إيطاليا أن تواصل إثارة القضية الليبية وبالأخص في قمة الدول الصناعية السبع في شهر مايو المقبل ومجموعة العشرين في شهر يوليو. وبما أنّ وزراء خارجية الدول السبع أعلنوا مؤخرًا عن دعمهم للمجلس الرئاسي وحكومة الوفالق و أكّدوا أنّه “لا مكان لحلّ عسكري” في ليبيا، فيمكن لإيطاليا أن تنطلق من هذه الروح في قمة السبع في صقلية وتبني عليها وتتأكد من وجود ليبيا على جدول أعمال القمة. في هذه الأثناء ستقدّم مجموعة العشرين لإيطاليا فرصة إشراك دول أخرى كبرى لها مصالح في ليبيا بما في ذلك الاتحاد الأفريقي وروسيا. لذا يجب على روما أن تُدرك أن الفرصة ما زالت متاحة، وأن عليها ألّا تتوقف عن الضغط على المجتمع الدولي ليولي ليبيا الأولوية، لأنّ زعزعة الاستقرار أكثر ستتيح لداعش الفرصة لإعادة بناء نفسه. وبما أنّ الدولة –للأسف- تتجه نحو تصعيد الصراع بدلًا من تسوية سلمية، يجب على إيطاليا اتباع استراتيجية ثنائية تركّز على اتخاذ الولايات المتحدة لدور دبلوماسي في ليبيا من جهة، و تدعو إلى توحيد الصف الأوروبي من جهة أخرى.
ترجمة خاصة بقناة (218). رهيفة محمود