افريقيا “مجاعة” التحكيم
سونيا عاتي
ربما ينشد الإنسان الكمال في كل شيء، غير أنّه يعلم جيدا صعوبة تحقيق ذلك، وأنّ النسبية هي غالبا ما تحكم البشر.
هذه القاعدة لا تستثني كرة القدم، رغم انتشارها وكثرة محبيها الذين يصعب حصر عددهم، وإن أخذنا مثال التحكيم في هذا المجال؛ فالمتيّمون العاشقون لا يستطيعون إلغاء الأخطاء التي تغيّر في أحيان كثيرة مصائر منتخبات وأندية، تحكم عليهم بالخسارة، وبالتالي بالحزن والإحباط لجماهيرهم.
نستطيع أن نُسلِّم جدلاً أنّها أخطاء دون قصد أو تعمّد، وليس بالإمكان تجنبها، وهنا نعود لنظرية النسبية التي بدأنا بها هذا المقال؛ إذ لا توجد نتيجة كاملة 100%، والأخطاء جزء من اللعبة كما يقولون.
كل هذا جميل، وينطبق على أغلب البلدان في العالم، لكن عندما تصل إلى أفريقيا؛ يجب أن تراجع قواعد وقوانين كرة القدم ألف مرة، وستكتشف أنك تضيّع وقتك، لأنك في قارة لها قوانين خاصة بها لا تشبه تلك التي نصّت عليها الفيفا.
الأخطاء في القارة السمراء كالقَدَر الذي ينزل عليك، ولا سلطان لك لتغييره، وأسباب ذلك كثيرة، فإمّا هناك من دفع ليشتري ذمّة حكم الساحة، أو طيّب خاطر المساعدين بحفنة من المال، وربما لا هذا ولا ذاك، فمن المحتمل أن يكون صديق مسؤول في الاتحاد الأفريقي لكرة القدم.
الفضيحة التي أثارها الصحفي الغاني “المتخفّي” مؤخّرا، كشف فيها حكاما ومسؤولين داخل الاتحاد متورطين في قضايا فساد، إذ نجح في تصوير قرابة المئة اسم كانوا بصدد تلقي رشاوى، وفضحهم في جميع وسائل الإعلام، هذا يؤكد ما أتينا على ذكره سابقا..
منتخب ليبيا كان ضحيّة هذه الأخطاء مرّات عديدة، رغم الظّروف التي يمرّ بها فإنّه يظلّ اسما يثير الجدل في القارة، وربما تكون الأسباب مجهولة، إلا أن النتائج كانت ملموسة في أكثر من مسابقة، وأكثر من بطولة.
أيضا على مستوى الأندية نذكر مباراة الاتحاد وميدياما الغاني، ضمن كأس الكونفدرالية الأفريقية التي أتقن فيها الحكم دور البطولة بامتياز، وآلت الغلبة للفريق الغاني بهدف نظيف.
نقطة أخرى ربما تكون سببا مهمّا لتعرض المنتخب والفرق الليبية لمثل هذه المظالم التحكيمية، وهي غياب التمثيل الليبي في الهياكل الرياضية الدوليّة، ما يجعل الدفاع عن حقوقها الكروية أمراً صعبَ المنال، بالنظر إلى تواصل العمل بقانون الغاب في القارة السمراء.
سيقول البعض إنها نظرية المؤامرة، وإنّنا نلقي باللوم على الآخرين، فنردّ بالقول إنّ ما ذكرناه غيض من فيض، إذ لم نتحدّث عن سوء الاستقبال ،وسوء المعاملة والإزعاج في الفنادق، والتأثير النفسي، والكثير من العوامل الأخرى التي تختص بها أفريقيا السمراء دون سواها.
وحتى إنْ لجأنا لتقنية “الفار”، التي استحدثت مؤخرا، وبدأت تُعمّم على شتى العواصم في العالم، فإنّها أيضا ستكون بيد من له الربط والحل، قاضي الساحة، الذي لا ننكر في كثير من الأحيان أنّه قد يكون من النزيهين المترفعين، الذين لا تغريهم إلا الكرة الجميلة والروح الرياضية، وهؤلاء كَثُرَ عددهم أو قَلّ؛ فهم أمل وشعلة تنير الظلام؛ وإن كان ضئيلا في آخر الممر.
أخيرا مستوى الكرة الأفريقية في المناسبات العالمية يؤكّد نظريتنا في هذا المقال، فرغم ثراء المخزون البشري، والطاقات الشابّة، تبقى القارة السمراء في ذيل الركب؛ بسبب هذ الغول المسمّى التحيكم، وتلك الصافرة التي تعادل سلاحا ثقيلا من فئة القذائف، صحيح أن هذه الممارسات ليست حكرا علينا وحدنا في أفريقيا؛ لكننا الأمهر والأخطر والأظلم فيها، وإن جاء اليوم الذي سنتحرر فيه منها؛ فسنكون ملوك هذه اللعبة يوما ما، وسنحتفل بالألقاب والأمجاد والتقدّم.