اضطراب الوسواس القهري في فلم توك توك
رزان المغربي
عندما تبحث عن الفيلم الإسباني توك توك – TocToc – ستجده مصنفاً تحت اسم كوميدي، في الواقع هذا الفيلم بقدر ما يحتوي على الطرافة لكنه فيلم بديع في عرضه لسلوك الشخص المصاب باضطراب الوسواس القهري
كثير من السلوكيات نفعلها جميعا بشكل متكرر، ولا نعرف الأسباب التي تدفعنا لها، إلا عندما تصبح مشكلة متفاقمة، أو نصبح محط أنظار ومراقبة استهجان الآخرين لنا، هناك كثير من هذه الأشياء، مثل الشك وعدم اليقين من أن مفتاح البيت في الحقيبة ونضطر لفتحها والتأكد عشرات المرات بعد خروجنا من المنزل، أو المثال الأشهر فكرة العد والأرقام، كثير ممن أعرفهم لديهم قدرات مدهشة على حفظ أرقام السيارات في حيّهم السكني، وأتذكر حكاية قبل سنوات، حينما سرقت سيارة جارنا ، اتضح أنه لا يحفظ رقمها ولا حتى أحد من أفراد عائلته، ثم اكتشفنا أن فتاة تسكن في الشارع تحفظ أرقام جميع لوحات السيارات.
الفيلم الجميل بطولة جماعية لعدد من الزبائن وكلهم يعانون من نفس الاضطراب، لكن بشكل مختلف فهناك الشاب الذي لا يمشي على بلاط الرصيف الأسود ونراه يقفز بين بلاطات الشارع طوال الوقت، ومدربة الرياضة المتلعثمة في الحروف تكرر الكلمات، والسيدة التي تضع إشارة الصليب بشكل متكرر وتعود الى منزلها عدة مرات قبل أن تصل موعدها للتأكد من أن كل شيء على ما يرام .
بداية الفيلم بإيقاع سريع ومشاهد متتالية تسلط الكاميرا على أبطال الفلم أثناء ذهابهم إلى موعد الطبيب النفسي (بالميرو)، والمشاهد الأولى يحتلها سائق التاكسي الموهوب في الحساب والتركيز على الإحصائيات، كلما ركب معه زبون يسرد عليه معلومات رياضية تجعل البعض يعتقد أنه مخبول، ويطلبون منه التوقف والنزول، إلا الشخص الذي رافقه أخيرا إلى موعد زيارته للطبيب النفسي، هنا فقط يتذكر السائق الموعد ويقفل باب سيارته عليه، والزبون يصرخ خائفاً، بينما نرى السائق صاعداً درجات المبنى وهو يعدها في كل طابق.
الطب النفسي يعالج حالات اضطراب الوسواس القهري غالبا بالأدوية الكيمائية، لكن في البداية يعالج ضمن جلسات لتصحيح السلوك، ونسمع عن جلسات علاج جماعية وهذا ما يبدو لنا من خلال الفيلم عندما نكتشف بأن كل الزوار الذين انتظروا لعدة أشهر هذا الموعد، ثم حصلوا على توقيت واحد لهم جميعاً ، فيما كان يظن كل واحد منهم أن الموعد يخصه وحده فقط.
بالطبع تقوم الحبكة الدرامية هنا على تأخر الطبيب، واجتماع الشخصيات كلها في العيادة الفاخرة، وبين لحظة وأخرى يلجؤون إلى الممرضة ومنسقة المواعيد لحل مشكلة عالقة من سوء الفهم بين بعضهم بعضا، لكنها تصم أذنيها عنهم، ونراها تجلس على حافة النافذة تدخن سيجارة، بينما تصرخ امرأة شقراء طالبة النجدة من مطاردة زبون آخر يكيل لها الشتائم، وحين تهرب منه يطاردها لتصحيح سوء الفهم وبأنه يفعل ذلك بشكل لا إرادي وأنه الآن يمر بنوبة شتائم.
من المعروف أن الوسواس القهري يتجلى أحيانا بنوبات، ثم تنخفض حدة الأعراض في حالة الاسترخاء أو الانشغال بأمر أهم، وهنا وبعد ساعات من الانتظار وسوء الفهم المتكرر بين الزبائن، يتعرف كل زبون على الآخر ومشكلته، ونراهم يقدرون حق تقدير سلوكيات بعضهم البعض التي تتسم بالغرابة الشديدة بمعنى آخر يدعمون بعضهم، لكن ليس قبل أن تحدث مشكلة للمرأة الخمسينة المصابة بالنسيان والشك، ويهرعون لإنقاذها عندما تكاد تحتنق في نوبة هيسترية، وفي تلك اللحظة يكتشف أحدهم أن الجميع نسي مشكلته الخاصة وتصرف بشكل طبيعي للغاية.
هذه ليست نهاية الفلم حتى بعد أن يقرروا الخروج من العيادة رغم عدم حضور الطبيب لأن المعالجة الدرامية مشوقة وعلى المشاهد أن يتوقع شيء مختلف لكن الغرابة تكمن في المشهد الختامي للفيلم حقاً.
الفلم إنتاج 2017 من إخراج فيسينتي فيلانويفا، بطولة روسي دي بالما، باكو ليون، إنما كويفاس، أوسكار مارتينيز، ألكساندرا خيمينيز، أدريان لاسترا وآنا روجاس ووزعها وارنر برذرز. يصور الفيلم مجموعة من المرضى الذين يعانون من اضطراب الوسواس القهري.
الفيلم متوفر على نتفليكس.