اتقاء سيف الوقت
عمر أبو القاسم الككلي
لم أكن أمتلك ساعة، ولم تكن في بيتنا ساعة حائط، وكنت أخشى أن أتأخر وتفوتني الرحلة.
كان أخي سالم الأكبر مني بحوالي ست سنوات، نائما وسط البيت، وكان يمتلك ساعة. أيقظتُه من نومه سائلاً إيّاه عن الساعة، فتلطَّف؛ وأجابني: ما زال الوقت باكرا جدا. عدتُ إلى النوم. استيقظتُ، وأيقظتُ سالم مجددا سائلاً عن الساعة. فتلطَّف، بتبرم، وأجابني. ما زال الوقت بعيدا. عدت إلى النوم. استيقظت، وأيقظت سالم سائلاً عن الساعة.. ثارَ ونَهَرَني، ولم يتلطّف بالإجابة.
فحملتُ أشيائي وخرجت.
أخذت طريقي، شاقّا ظلاما على درجة لا بأس بها من الكثافة. كنت حينها في السنة الخامسة أو السادسة الابتدائية وكانت لدينا رحلة مدرسية، ولم أكن أمتلك ساعة ولا توجد ببيتنا، الذي ساحته غير مسقوفة، ساعة حائط، وليس لدينا منبّه، وكنت أخشى أن أتأخر عن موعد الرحلة.
السكون أكثر كثافة من الظلام، وكنت أخوض معركة متوسطة الشِدّة ضدَّ خوفي من الأغوال، والبشر الذين في حكمها. كانت المدرسة على مسافة حوالي ثلاثة كيلومترات، حسب تقديري. في الطريق العام تبيَّنت بعض الكلاب، لكنها لم تأبه لي. ولم أصادف كائنا من جنس الأغوال، أو بشرا مؤذيا.
وصلت المدرسة التي لم يكن أمامها أحد، فالتصقت بحائط أحد المنازل المقابلة للمدرسة، والتي لا يطالها ضوء المصبح المنار أمام المدرسة، متجنبا أن يكشفني ضوء سيارة عابرة. خرج رجل من بيت قريب قاطعا الطريق إلى فضاء مقابل. كان توهّج سيجارته يشتدّ أحيانا، وكان يسعل بشدة. كنت أخشى أن ينتبه إلي. فعل شيئا ما في الفضاء وعاد إلى بيته.
سيارة أجرة متمهلة كشفني ضوؤها، فتوقّف سائقها قريبا مني، وسألني عن سبب وجودي هنا. كبحتُ خوفي منه وأجبته. عرض عليَّ إعادتي إلى بيتي، لكنني رفضت. فلم يلحّ.
ظللت ملتصقا بالجدار أقارع خوفي، وكانت كثافة الظلام تنحلُّ تدريجيا.
من غريب الصدف، شاهدت قريبا لنا يحمل الخبز إلى الدكاكين على دراجة ثلاثية العجلات ذات صندوق (عدد كبير من أهالي منطقة ككلة بطرابلس لهم علاقة بشغل الخبز). كان بصدد تسليم كمية الخبز المطلوبة لمحلّ بقالة جنب المدرسة. انتبه إليَّ وسألني مستغربا، فأجبته. كان محلّ البقالة مقفلا. قال لي إنَّ صاحب المحل رجل عجوز، ينام في محله، هو وحفيده الصغير. وإنّه سيطلب منه إيوائي حتى الصباح.
أيقظه وسلّمه أرغفة الخبز المطلوبة، وشرح له حالتي. فوافق على إيوائي. حفيده كان يدرس في المدرسة نفسها، لكن في صفٍّ أدنى، قال إنّه يعرفني، وعاد إلى النوم.