إيران تمهّد من الجولان لحرب جديدة في لبنان
هدى الحسيني
لا تجرؤ «حركة النجباء» على تصحيح اللغة العربية التي طبعها الإيرانيون على لافتات حملتها لتعلن عن قيام «لواء تحرير جولان» (المقاومة الإسلامية – حركة النجباء). كتب الإيرانيون «الجولان» من دون «ال» التعريف، فحمل مقاتلو «حركة النجباء» الذين أخفوا وجوههم بالأسود، كالنجباء ما كُتب لهم ليحملوه. وأطلقت الفيديوهات باسم «حركة النجباء» لصفوف من المقاتلين يحملون أيضاً لافتات تقول: «إسرائيل ستزول».
ثم في الثامن من الشهر الجاري، عقد سيد هاشم الموسوي الناطق باسم الحركة، مؤتمراًّ صحافياً في إيران قال فيه، إن الوحدة الجديدة هي لمساعدة النظام السوري على استرجاع مرتفعات الجولان التي تحتلها إسرائيل منذ حرب 1967. حمّل الموسوي الحكومة السورية اتخاذ القرار: «إذا طلبت الحكومة السورية فإننا وحلفاءنا على استعداد لتحرير الجولان». قبل أن «يتم التحرير بالكامل» من المؤكد أن «لواء تحرير الجولان» يرغب مستقبلاً في مشاركة النظام في استرجاع الأراضي التي تسيطر عليها المعارضة في هضبة الجولان وغير الخاضعة للاحتلال الإسرائيلي، قبل «أن تبدأ حركة النجباء وحلفاؤها بتحرير كل الجولان».
إن إطلاق لواء تحرير الجولان يعكس أولويات طهران في الجنوب السوري.
تشعر إيران بأنها مضطرة للتحدي، فذلك للتسويق الداخلي، ولدى حلفائها ممن تسميهم دول المقاومة والذين وصلوا حتى فنزويلا وكوبا، وتؤكد التزامها بمحاربة إسرائيل خصوصاً مع وصول إدارة جديدة إلى واشنطن، يعرف المراقبون أن تحجيم إيران هي المسألة الأهم التي تجمع أركانها من عسكريين وسياسيين.
لعبت «حركة النجباء» دوراً مهماً في مساعدة «فيلق القدس» من «الحرس الثوري الإيراني» والقوات الموالية للنظام السوري في سقوط حلب العام الماضي.
تتحرك الميليشيات الشيعية العراقية كامتداد لنفوذ إيران، وبعد أن أقسمت على الولاء الكامل للمرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، تسوق هذه الميليشيات آيديولوجيا ولاية الفقيه. تتلقى «حركة النجباء» أوامرها مباشرة من اللواء قاسم سليماني قائد الفروع الخارجية للحرس الثوري الإيراني- فيلق القدس. وكانت الحركة أعلنت العام الماضي وهي المعروفة أيضاً باسم «حركة حزب الله النجباء»، أنها و«حزب الله» اللبناني، يشكلان «توأم المقاومة».
زعيم الحركة أكرم الكعبي من أكثر المقربين للقيادة الإيرانية بمن فيهم المرشد الأعلى، شارك في تأسيس جماعة «عصائب أهل الحق»، التي هي في الأساس فرع من جيش المهدي. قال عام 2015 إنه إذا أصدر خامنئي الأمر فالكعبي على استعداد للمساعدة على الإطاحة بالحكومة العراقية. في أواخر العام الماضي فتح كبار المسؤولين الإيرانيين المقربين من خامنئي أذرعتهم لاستقبال الكعبي وأقاموا له احتفالات لم يحدث لها مثيل في السابق خلال استقبالهم لأحد أتباعهم من العرب. وفي شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي عممت «حركة النجباء» استقبال خامنئي للكعبي على هامش مؤتمر عقد في طهران.
ما كشفه الموسوي عن دور لواء تحرير الجولان أنه «لن يسمح لأي أرض عربية أن تبقى في قبضة المحتل».
لم يعد سراً أن إيران تريد أن تحصل على موطئ قدم على مرتفعات الجولان، هي بررت «تدخلها» في سوريا إلى جانب النظام بأنه للدفاع عن المزارات الشيعية، ومع ذلك قال رئيس هيئة أركان القوات المسلحة الإيرانية في نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي إن إيران تسعى لإقامة قواعد بحرية لها في اليمن وسوريا. وكان مسؤولون إسرائيليون أشاروا علناً إلى النفوذ الإيراني المتزايد في سوريا خلال السنوات الست من الحرب إما عبر قوات الحرس الثوري، أو المقاتلين الشيعة وبالذات «حزب الله». وقال آفي ديشتر رئيس لجنة الشؤون الخارجية والدفاعية في الكنيست الإسرائيلي (البرلمان) إن إيران حاولت عدة مرات العام الماضي نقل قوات إلى مرتفعات الجولان السورية: «وقد تم رصد كل التحركات». لكنه لم يسرد تفاصيل. حسب تقارير إعلامية تبين أن إسرائيل قصفت تحركات تقف وراءها إيران لنقل قوات إلى مرتفعات الجولان. وصار معروفاً أن قادة عسكريين إيرانيين يتحركون في الجولان السورية، ويعمد الإعلام الإيراني إلى نشر هذه الأخبار بعدما يكون القادة أنهوا زياراتهم. وكان زار القنيطرة في الجزء الجنوبي- الغربي من الجولان العميد الإيراني محمد رضا نقدي رئيس «منظمة تعبئة المضطهدين» المعروفة بـ«الباسيج» التي بدورها تخضع لأوامر الحرس الثوري الإيراني. لم يكشف الإعلام متى حصلت الزيارة، لكنه نشر صوراً للنقدي من القنيطرة في شهر يوليو (تموز) الماضي.
أما الحادثة المشهورة فقد وقعت في يناير (كانون الثاني) من العام 2015 عندما قصفت صواريخ مروحية إسرائيلية عدة أهداف في المنطقة، كان بينها وفد للحرس الثوري يضم العميد علي الله دادي يرافقه القائد الميداني لـ«حزب الله» محمد عيسى، وجهاد مغنية نجل عماد مغنية، وقد قتلوا جميعاً.
«حركة النجباء» تستمد بالتأكيد القوة المعنوية من الرعاية الإيرانية لها، لكن تبقى الهوة بين قدراتها الفعلية وطموحاتها لاستعادة الجولان واسعة جداً. منذ عام 1967 والنظام السوري «يعد» بالرد على إسرائيل في الوقت المناسب، ثم إن الحرس الثوري الإيراني، المحاط في الدول التي لإيران نفوذ فيها، بميليشيات تلك الدول التي أنشأها للحد من حرية شعوب تلك الدول، ليس نداً للجيش الإسرائيلي، ثم إن لإيران حسابات دقيقة جداً عندما يتعلق الأمر مباشرة بينها وبين إسرائيل. وهي قادرة على البقاء خلف مقولتها، إنها «لا تعتدي بل تخترق». ورغم كل اتهامات إيران و«حزب الله» بأن إسرائيل تقف وراء المنظمات التي تقاتل النظام السوري، نجحت إسرائيل في إبعاد نفسها عن الآثار المدمرة للحرب السورية، لا بل انصرفت إلى عقد الصفقات العسكرية والتقنية مع الصين والهند، مطمئنة إلى أن جبهاتها مع الدول العربية هادئة إلا من مناوشات «اضطرارية»، ومع هذا هناك إدراك داخل المؤسسات الأمنية الإسرائيلية بأن الوضع الراهن غير قابل للاستمرار وأنه يجب على إسرائيل إعادة النظر في استراتيجيتها. هذه التهديدات الإيرانية، ومن قبل «حركة النجباء» و«حزب الله» تخدم إسرائيل كثيراً في علاقاتها الدولية خصوصاً مع الولايات المتحدة وروسيا، لذلك ليس مستبعداً أن تصبح أكثر اعتماداً على نهج استباق الأحداث. ورأينا مؤخراً قصفها لكل قوافل الصواريخ والأسلحة التي تحاول إيران تهريبها عبر سوريا إلى «حزب الله» في لبنان، وقد تعتمد إسرائيل هجمات مباشرة على الجولان السوري إذ قبل أيام قصفت شاحنة يقودها سوري وليس إيرانياً، والحجة ستكون دائماً لإحباط زحف الحرس الثوري الإيراني إلى الجولان.
إن هضبة الجولان مفتوحة وليست شبيهة بالجنوب اللبناني الذي توفر جغرافيته مكاناً مناسباً لإخفاء مواقع إطلاق الصواريخ. لم تكتف إيران بتحريك ميليشياتها العربية التي تشدها آيديولوجيا ولاية الفقيه، فاستضافت الشهر الماضي مؤتمراً لدعم الانتفاضة الفلسطينية، وكانت المفاجأة فيه كلمة غسان بن جدو مؤسس فضائية «الميادين»، إذ قال إن أقل نسبة مشاهدة تعاني منها البرامج التي تبثها فضائيته هي عن فلسطين.
وكما كان الوصول إلى فلسطين يستدعي مسؤولي فتح، أثناء حربهم في لبنان على القول: إن طريق تحريرها يمر عبر جبال صنين اللبنانية، هكذا نرى أنه منذ سقوط حلب وفي «طريقهم إلى فلسطين»، ركز الحرس الثوري الإيراني وميليشياته على قصف المعارضة السورية، وانتشرت قواته على جبهات في شمال ووسط وجنوب سوريا، وفي درعا حيث قتل الشهر الماضي عقيد في الحرس الثوري الإيراني.
على حساب أرواح السوريين وأرواح مقاتلي الميليشيات غير الإيرانية خصوصاً العربية والأفغانية، تأمل إيران في الحصول على موطئ قدم في الجولان بهدف ردع إسرائيل والولايات المتحدة، ويمكن لها، بالتالي التمهيد لحرب جديدة بين «حزب الله» وإسرائيل في لبنان.
وزير الاستخبارات عضو مجلس الأمن الإسرائيلي قدير كاتز قال لصحيفة «جيروزاليم بوست» يوم الاثنين 13 من الجاري: «حتى لو قصف (حزب الله) إسرائيل من سوريا، فإن الجيش الإسرائيلي سيدمر لبنان». فهل وصلت الرسالة إلى إيران؟!
قبلها استعرض صدام حسين مليون جندي قال إنهم لتحرير فلسطين وكان من أمره ما كان…. .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صحيفة “الشرق الأوسط” اللندنية