إيران تغلي.. والسلطة تطمئن
(رويترز) – يقول مسؤولون ومحللون إن الضغوط الأمريكية المتنامية التي تقترن بحالة من السخط الشعبي بين كثير من الإيرانيين على الوضع الاقتصادي بدأت تهز الجمهورية الإسلامية دون مؤشرات تذكر على أن قادتها يملكون أي حلول.
واندلعت يوم الأحد احتجاجات على مدى ثلاثة أيام في البازار بالعاصمة طهران ندد خلالها المئات من التجار وأصحاب المتاجر الغاضبين بالانخفاض الحاد في قيمة العملة الإيرانية.
وتمثل تلك الاضطرابات تحديا كبيرا لكن محللين يتوقعون أن تتمكن السلطة الإيرانية من تجاوز الأزمة على الرغم من الصراعات الداخلية والمشكلات الاقتصادية المتفاقمة.
وسرعان ما اكتسبت احتجاجات مطلع الأسبوع طابعا سياسيا وردد المتظاهرون شعارات مناهضة لـ”خامنئي” وشخصيات أخرى من كبار المسؤولين الذين وصفهم المحتجون باللصوص وطالبوا بتنحيهم عن السلطة.
وثار غضب تجار البازار، والذي كان ولاؤهم في الأغلب للقيادة منذ الثورة الإسلامية عام 1979، بسبب ما وصفوه برد الفعل المضطرب من جانب الحكومة على الأزمة التي قالوا إنها تسببت في ارتفاع حاد للأسعار جعل من ممارسة التجارة أمرا شبه مستحيل.
وخسر الريال الإيراني 40 في المئة من قيمته منذ الشهر الماضي عندما انسحب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من الاتفاق النووي الذي أبرم عام 2015 وعاود فرض عقوبات اقتصادية صارمة على طهران.
وتشمل تلك العقوبات السعي لوقف مبيعات النفط الإيراني، المصدر الرئيسي للعائدات، مما ألقى بظلاله على الاقتصاد.
وقال مسؤول مقرب من خامنئي “البلاد تتعرض لضغوط من الداخل والخارج. لكن يبدو أنه لا توجد خطة لإدارة الأزمة للسيطرة على الوضع”.
وقد لا يتضح التأثير الكامل لانسحاب ترامب من الاتفاق النووي ومساعي واشنطن لمنع الدول من التعامل مع إيران قبل أشهر.
وتأمل الدول الأوروبية الموقعة على الاتفاق النووي في إنقاذه. وبموجب الاتفاق رفعت أغلب العقوبات الدولية عن إيران مقابل فرض قيود على برنامجها النووي. لكن ثمة شكوك في قدرة تلك الدول على منع الاتفاق من الانهيار.
وقالت شركتا توتال وبيجو الفرنسيتان إنهما ستنسحبان من إيران بدلا من المخاطرة بالتعرض للمنع من التعامل مع النظام المالي الأمريكي مع تهديد واشنطن بأنها ستستخدم وضع الدولار كعملة احتياطي للبنوك لمعاقبة من يعرقلون سياستها الصارمة تجاه إيران.
وألقت إيران باللوم على العقوبات الأمريكية في انخفاض قيمة الريال وقالت إن تلك الإجراءات تصل إلى حد الحرب “السياسية والنفسية والاقتصادية” على طهران على الرغم من أن بعض المسؤولين أقروا بأن التهديد كشف عن إخفاقات خطيرة في الداخل.
وقال مسؤول آخر مطلع على عملية اتخاذ القرار في إيران “لا يمكن تعليق مسؤولية كل المشكلات الداخلية على العقوبات. لم تطبق بعد”.
ولزيادة الضغط قالت واشنطن إن على كل الدول إنهاء واردات النفط من إيران بحلول الرابع من نوفمبر تشرين الثاني مما يشكل ضربة قوية لمبيعات النفط التي تدر 60 بالمئة من عائدات البلاد. وتقول إيران إن هذا المستوى من الخفض لن يحدث أبدا.
“الموت للديكتاتور”
كان البازار في طهران عادة من أكبر الحلفاء الماليين للمؤسسة الحاكمة وساعد في دعم الثورة عام 1979 ماليا.
وعلى الرغم من أن هتافات “الموت للديكتاتور” تشابه هتافات “الموت للشاه” قبل أربعة عقود في البازار، يستبعد محللون ومطلعون احتمال أن تكون إيران على شفا تغيير جذري جديد في المشهد السياسي.
وقال دبلوماسي إيراني في أوروبا “لن تهدأ تلك الاحتجاجات بسهولة بالنظر إلى الضغوط الاقتصادية الحادة… لكن فرصة تغيير النظام هي صفر لأن الإيرانيين لا يريدون ثورة أخرى ويشكون في أنها ستقود للأفضل”.
وما زال الوجود الأمني كثيفا في المنطقة بعد أيام من الاشتباكات مع المحتجين. وعلى الرغم من أن المسؤولين يقولون إن البازار استأنف أعماله بصورة طبيعية إلا أن أزمة الريال وأصداءها السياسية لم تنته بعد.
وأظهر فيديو نشر على وسائل التواصل الاجتماعي استمرار احتجاجات في عدة بلدات ومدن أخرى طالب بعض المشاركين فيها بتغيير النظام.
وحاولت حكومة الرئيس حسن روحاني وقف تدهور قيمة العملة بمزيج من التهديد والإقناع إلا أن الكثير من الإيرانيين لم يقتنعوا.
وقال رضا وهو صاحب متجر في البازار طلب عدم ذكر اسمه بالكامل “انخفاض قيمة الريال يعطل أعمالي. تكلفة الواردات ارتفعت بشدة. إذا استمر الأمر كذلك فلن أتمكن من مواصلة عملي”.
ورغم دعوات خامنئي بالوحدة ظهرت انقسامات بين النخبة الحاكمة في إيران حيث دعا بعض المحافظين إلى إجراء انتخابات رئاسية مبكرة وانتقدوا روحاني لما وصفوه بسوء الإدارة الاقتصادية.
وتشهد إيران صراعا مزمنا في المؤسسات المنتخبة مثل البرلمان حيث تكون المواجهة عادة بين المحافظين، من المحيطين بالزعيم الأعلى مثل الحرس الثوري والسلطة القضائية، والإصلاحيين يتقدمهم رئيس البلاد.
وقالت سانام وكيل وهي أستاذ مساعد لسياسات الشرق الأوسط في كلية الدراسات الدولية المتقدمة في أوروبا (إس.إيه.آي.إس) “سيحاول كل من الجانبين استغلال الضغوط الداخلية والخارجية لدعم موقفه”.
وقال سعيد ليلاز وهو محلل في طهران “إذا فشلت الحكومة في التوصل لحل فوري للأزمة… لا يمكن تجنب إجراء انتخابات رئاسية مبكرة في الأشهر المقبلة”.
احتمال ضئيل
يرى بعض المحللين احتمالا ضئيلا في أن يسعى القادة المحافظون في إيران للتوصل إلى تسوية مع الولايات المتحدة في حال نجاح العقوبات في تقويض الاقتصاد الإيراني.
لكن ترامب لن يكون مضطرا للإسراع ببدء مفاوضات قد يكون من شأنها دعم القادة الدينيين للجمهورية الإسلامية.
وقال مسؤول إيراني شارك في المحادثات النووية مع القوى الأجنبية إن القيادة “قد تميل إلى التوصل إلى تسوية مع أمريكا للحفاظ على المؤسسة… لكن بالطبع على أمريكا بدورها أن تظهر مرونة”.
وبينما أبدى كثير من الإصلاحيين في إيران رغبة في الحوار مع الولايات المتحدة والتوصل إلى حل دبلوماسي للأزمة قاوم خامنئي إجراء مفاوضات مباشرة مع واشنطن لأسباب كثيرة من بينها اعتبارات تتعلق بالسياسة الداخلية.
وقال مصدر مطلع على الوضع الداخلي في إيران “المحافظون يريدون تسوية مع أمريكا على الرغم من النهج المتطرف المعلن لكنهم لا يريدون منح روحاني اليد العليا في الداخل من خلال دعمهم للمحادثات”.