“إضراب المعلمين”.. المطالب وأصل المشكلة
اتفاق وزارتي التعليم في شرق وغرب ليبيا على توحيد موعد بدء الدراسة في كافة المناطق يبدو أنه لن يمر، وذلك بسبب غضب الشريحة الأهم في قطاع التعليم، والتي دأبت على القول بكل الوسائل بأن حقوقها مهضومة وهم المعلمون، حيث أعلنت تنسيقيات اعتصام شكلت في شرق وغرب وجنوب ليبيا أن المعلمين لن يلتحقوا بأعمالهم يوم 15 أكتوبر حتى تتم تلبية مطالبهم بتحسين المرتبات وضمهم للمؤمنين صحياً من الدولة، وإعادة النظر في قرارات الإحالة على الملاك العام.
أصل المشكلة
بدأت المشكلة حين تم فتح المجال لأمناء الشعبيات (عمداء البلديات) في ليبيا قبل 2007 لتمكين الباحثين عن عمل أو الخريجين الجدد من فرص عمل في مختلف القطاعات، فكان قطاع التعليم هو الوجهة الأكثر شيوعاً بالذات بين النساء ممن يحملن أو لا يحملن شهادات تربوية.
آلاف المعينين في التعليم من تخصصات مختلفة بعضها لا يمكن الاستفادة منها بأي حال في هذا القطاع، تم تنظيمهم حين أصدرت أمانة اللجنة الشعبية العامة للتعليم (وزارة) عام 2007 قراراً بإحالة الفائض من المعينين في القطاع الذين لا يملكون مؤهلات تربوية إلى الملاك الوظيفي العام التابع لوزارة العمل، مع الحفاظ على سريان رواتبهم الشهرية وفي انتظار تمكينهم من فرص عمل تناسب مجالات تخصصهم.
أما حملة الشهادات التربوية فقد صدرت تعليمات بأن يبقوا ضمن “الاحتياط الاستراتيجي لقطاع التعليم” ومنحوا مزايا أكثر وبقوا في إجازة مفتوحة مدفوعة طيلة سنوات، وقد أسفر هذا القرار عن إبعاد حوالي 350 ألف موظف خارج أعمالهم والتزمت الدولة بدفع رواتبهم كعمالة موقوفة.
بعد الثورة
أصدرت وزارة التعليم بالحكومة الانتقالية المؤقتة عام 2012 قراراً بإعادتهم جميعاً إلى سابق أعمالهم، لتعود المشكلة الأولى للبروز مجدداً وهي أن هناك من المعينين من يحملون مؤهلات لا تتناسب مع طبيعة العمل، وبالتالي لن تكون هناك فرصة للاستفادة منهم أبداُ، وهم حالياً يشكلون نسبة عالية من عدد العاملين بالقطاع.
هؤلاء الذين عادو للوزارة وانخرطوا داخل المؤسسات التعليمية كمعلمين “احتياط” تمت تسوية أوضاعهم الوظيفية، وحصلوا على درجاتهم وما يقابلها من مرتبات أسوة بمن بقي داخل الملاك الوظيفي.
وتكرر من جديد قيام عمداء البلديات ورؤساء المجالس البلدية بعد الثورة بتعيين عدد كبير من الموظفين بالمخالفة لقرار وزارة التعليم، والذي ينص على إيقاف التعيينات من قبل المجالس المحلية، وهؤلاء المعينون صاروا يطالبون الوزارة برواتبهم، رغم أنهم يعملون بالمخالفة ولكنهم مُنحوا عن طريق العلاقات الشخصية غالباً جداول تدريس في كثير من المدارس، فاضطرت الوزارة لتثبيتهم.
القرار الثاني
نتيجة هذا الأمر الواقع ومع استمرار مشكلة تكدس المدرسين في المدارس أصدرت الوزارة عام 2015 قراراً آخر يقضي بإعادة ترتيب وتوزيع الموظفين، وإحالة الفائض مجدداً على الملاك العام، ولكن هذه المرة سيتم إحالة غير الملتزمين بجداول حصص دون فصلهم من الوزارة والحفاظ على سريان رواتبهم الأساسية، ما تسبب في استهجان كبير بين المدرسين الملتزمين بالجداول، حيث لا فرق إذاً بين من يعمل ومن لا يعمل.
فتم إلحاق القرار بخطوة أخرى تمثلت في إصدار تعميم كان تعديلاً لقرارات سابقة تخص نفس المسألة يقضي بصرف علاوة قدرها خمسة دينار عن كل حصة للمعلمين الحاصلين على جداول، على أن يكون معدل الأداء خمسة عشر حصة في الأسبوع، بمعنى أن المعلم الذي لا يعطي 15 حصة أسبوعياً لن يمنح علاوة الحصة.
وهنا برزت إشكالية أخرى، وهي أن هناك مواد في المنهج لا يتجاوز معدل أداء معلمها حصتين في الأسبوع، مثل مادة الحاسوب مثلاً التي سيضطر معلمها في هذه الحالة لاستلام جداول ستة فصول ليصل المعدل المطلوب، فيما الخارج على الملاك يستطيع التفرغ لعمل آخر ويتقاضى مرتبه دون عمل.
ولكي يستطيع المعلمون إكمال عدد الحصص المطلوب أصبحوا يعملون بدل معلمي الاحتياط، فالمعلم الذي يعطي 12 حصة جدول سيمنح 3 حصص احتياط، ويضطر للبقاء في المدرسة لسد العجز فيما يبقى المعلم المحال للاحتياط في بيته ويتقاضى راتبه نهاية الشهر كاملاً.
ثالث مرة
وللمرة الثالثة عادت وزارة التعليم لتصدر القرار رقم 530 لسنة 2017 بشأن تعديل قرار 1547لسنة 2015، والذي يقضي بإنشاء إدارة اسمها الاحتياط العام، ينضم إليها كل الخارجين للاحتياط العام منذ 2007 على أن يتم تطوير هؤلاء من خلال تغيير مساراتهم أو تلقيهم دورات تدريبية.
لم ترفض نقابة المعلمين بطرابلس القرار حسب تأكيد رئيسها أشرف البوراوي لـ”مراسلون”، ولكنه يتساءل عن الآلية التي سيتم بها تطبيق القرار وتحفظ حقوق المعلمين، سواء الباقين في الملاك أو من يشملهم القرار الذين سيحالون للاحتياط العام، فهو يعتقد أن الطرفين سيطالهما الظلم.
فحسب كلام البوراوي سينتج عن تطبيق القرار إبعاد 400 ألف موظف من قطاع التعليم الذي يعمل به أكثر من 680 ألف موظف بينهم 400 ألف معلم، والإبقاء على عدد يتراوح بين 180 ألف إلى 200 ألف موظف والجميع يتقاضون مرتباتهم بشكل كامل، والزيادة الوحيدة التي ستطرأ على رواتب المعلمين هي قيمة الخمسة دينار عن كل حصة لمن لديهم جداول دراسية، فماذا إذاً عن المعلمين والمدراء والخبراء الذين لن تشملهم هذه الزيادة رغم أنهم يعملون بدوام كامل “هل ستساويهم الوزارة بالمحالين على الملاك العام الذين لا يقومون بأي عمل؟”.
حسب القرار فإن المحالين على الملاك العام مطالبون بالحضور يوماً واحداً في الأسبوع للتوقيع، وهناك من لن يكون ملزماً حتى بالتوقيع، ويستلم راتبه كاملاً فيما لو تغيب المدير أو المعلم الذي ليس لديه جدول يوماً واحداً سيتعرض للخصم والمحاسبة.
كيف سيطبق القرار؟
هذه هي المرة الثالثة التي يتخذ فيها قرار تنظيمي كبير في قطاع التعليم وفي المرتين السابقتين تم التراجع عن القرار وتكررت ذات المشاكل، وهذا مصدر تخوف البوراوي الذي يشك في أن يستمر العمل بالقرار ويطبق بالصرامة المطلوبة، “ففي المرات السابقة حظي المستبعدون براحة تامة تفرغوا خلالها لممارسة أعمال أخرى، ثم رجعوا للتعليم وسويت أوضاعهم الوظيفية وتعدلت درجاتهم واستلموا فروقات رواتبهم كاملة، فيما ظل المعلم الذي استلم جدولاً دراسياً على حاله دون أي تمييز” يقول البوراوي.
وفيما يشكك النقيب في أن تتمكن الوزارة من تغيير مسار المحالين على الملاك العام، يؤكد أن مطالب النقابة تتمثل في منح مزايا لمن يبقى في التعليم وضمانات للخارجين منه دون إرادتهم.
من جهته يؤكد عبد الفتاح الفاضلي مدير قسم الاحتياط العام التابع للوزارة أن القسم بدأ فعلياً في إنجاز مهامه، وعلى رأسها حصر الزوائد من الموظفين من خلال إنشاء قسم للاحتياط العام بالتنظيم الداخلي لشؤون التعليم بالبلديات، موضحاً بأن المرحلة التالية ستتم داخل المؤسسات التعليمية، حيث تمت مخاطبة مدراء المدارس لموافاتهم بأسماء ومؤهلات المعلمين الذين لا يملكون جداول دراسية.
يطمئن الفاضلي من تشملهم تلك القوائم بأن المرتب “سيكون في مأمن لمن يخشون توقفه أو انقطاعه، وسيميز شاغلو الجداول بحصولهم على قيمة مالية تصل إلى 300 دينار في الشهر، بواقع خمسة دينار عن كل حصة بمعدل 15 حصة اسبوعياً، فيما سيخضع المحالون خارج الملاك لدورات تدريبية في اللغة الإنجليزية والحاسوب وغيرها من الدورات التاهيلية بين الحين والآخر” حسب قوله.
سد العجز
حسب الفاضلي فإنه سيكون هناك يوم في الأسبوع للحضور والتوقيع، وسيكون هناك حصر منظم لجميع التخصصات، بحيث يكون هناك معلمون جاهزون لسد أي عجز قد يطرأ أثناء العام الدراسي، كما أن المعلمين الملتزمين من الاحتياط العام
سيعاملون معاملة خاصة، وسيحظون بمزايا تشجيعية عن غير الملتزمين، أما عن سد العجز الحاصل في المناطق النائية فستكون هناك علاوات تصل إلى 200% على الراتب لكل من يرضى بالانتقال لسد عجز خارج نطاق بلديته وخاصة الرجال الذين يقبلون بالذهاب إلى المناطق النائية مع توفير سكن لهم.
وبخصوص العجز الذي قد يحصل في قسم الاحتياط داخل المدارس فسيتم عن طريق الاستعانة بالمعلمين الحاصلين على جداول دراسية بهدف زيادة معدل الأداء للذين لم يصلوا للنصاب المقرر لمنح علاوة التدريس.
وكيل وزارة التعليم لشؤون الديوان والتعليم العام عادل جمعة يقول لـ”مراسلون” إن هذا المشروع المنبثق عن إدارة الاحتياط العام “قديم جديد ولابد من العمل عليه وتفعيله برؤية مهنية واثقة والسير فيه بخطى ثابتة وعلمية”.
ويوضح بأن التجارب السابقة مع قرارات التنظيم في القطاع مازالت تؤثر على رد فعل الناس تجاه هذه الخطوة، بسبب ما واجهته من صعوبات مع الموظفين والمعلمين وما نتج عنها من ملفات ضائعة ومرتبات موقوفة وإرباك إداري سيء.
وهذا المشروع حسب جمعة الهدف منه الارتقاء بالعملية التعليمية في ليبيا، “والوزارة لن تقف مكتوفة الأيدي أمام ما يحدث في مؤسساتها التعليمية، وهذا قرار لا رجعة فيه و اضطررنا لترك الوظيفة” حسب قوله.
الحفاظ على الجودة
ولكن حرص الوكيل على جودة العملية التعليمية عن طريق تطبيق هذا القرار تواجهه انتقادات شديدة من المعلمين، تقول المعلمة حليمة المنتصر إنه بالنسبة للمعلمة التي تدرس مادة – الإحصاء مثلاً – مخصص للمادة حصتين في الأسبوع، ستضطر لتدريس 6 فصول حتى تصل لمعدل الأداء المقرر، وقد لا يكون هناك 6 فصول في المدرسة، هنا ستحرم المعلمة من حق العلاوة.
وتوضح المنتصر بأن جودة التعليم دائما مرتبطة بعدد التلاميد اللذين يتم تدريسهم من قبل المعلم، فكلما كان عدد التلاميذ أقل زادت جودة التعليم، وحين تضطر المعلمة لتدريس 150 تلميذاً وتتعامل مع كراسات حصة وواجب وتطبيقات وامتحانات نصفية ونهائية، وتقوم بتدريس مناهج مرحلتين تعليميتين أو أكثر لتصل معدل الأداء، “كيف للمعلمة التعرف على طلبة خمس أو ست فصول (35 – 45 طالب لكل فصل)، سينتهي الفصل الدراسي دون أن تحفظ ربع الطلبة، هذا الضغط يؤدي لضعف جودة العملية التعليمية بالضرورة” تقول المنتصر.
نقابة المعلمين لازالت تحاول الوصول لحل لهذه المشكلة، يقول البوراوي لقد جلسنا مع كافة الجهات المعنية باتخاذ القرار ونقلنا مطالب المعملين وتنسيقيات الاعتصام بالشرق والغرب والمنطقة الوسطى، والتي لا زالت تنوي الدخول في اعتصام مفتوح في أول يوم دراسي (15 أكتوبر) للمطالبة بحقوق المعلمين وعلى رأسها تحسين المرتبات وحل مشكلة الملاك الوظيفي.
* نقلا عن موقع “مراسلون ليبيا”