إشارة أخرى
صفوان المسوري
ما نرصده من تحركات و مواقف داخل القبب التشريعية و القاعات الوزارية ، المنتشرة شرقا و غربا لا يرقى إلى العمل السياسي أبدا ، فما يحدث لا يتجاوز ” المناورات السياسية ” في تمظهرها السيء، و في توقيتها الأسوأ، حيث الكل تقريبا يستعرض تذاكيه و فهلوته على هذا الوطن القابع على تخوم الضياع.
ليس ثمة أي ذكاء أو دهاء سياسي فيما يقوم به المتنفذون في الأجسام السالفة الذكر ، وليست تحركاتهم إلا عبث عظيم لن ينتج إلا مزيدا من التشظي ، و لا يعدو كونه التصاق غير مشروع بلاعبين إقليميين و دوليين كبار لهم حسابتهم الخاصة .
بشيء من الثقة يمكن القول أن أغلب هؤلاء -جهات و أفراد- لا يملكون المشروع أو البرنامج الذي قد يسهم في طرح جزء من معاناة هذا البلد . فلم نسمع من أي طرف أي طرح مفصل بخصوص تفكيك التشكيلات المسلحة و اعادة دمجها في اجسام قانونية تحت سلطان الدولة ، و لم نشاهد أي عرض لمشروع لإعادة تدوير عجلة الإقتصاد المنهار ، أو أي شيء في اتجاه تفعيل البلديات و الحكم المحلي ، أو أي تصور جريء و عادل لقضية المصالحة الوطنية .
هؤلاء يمتشقون السلاح و العسكرة ، و الأخرون يتدثرون بالثورة و الشريعة ، و ليس ثمة أكثر من ذلك و لا أقل ، و ما بينهما تزداد عذابات الناس و آلامهم .
إن الإطلاع على تاريخ تأسيس الدولة الليبية و بقدر ما يستدعي مشاعر الحنين و الفخر ، يسهم ايضا في زيادة هذه العذابات و الآلام ، حيث غالبا ما يستقر في وجدان المطلع قناعة مفادها انه ليس هناك إمكانية للمقارنة بين رجال الأمس و أطفال اليوم .
سريعا ما تكتشف الفارق بين أبو الإسعاد العالم ، وبين الصادق الغرياني ، و بين عبد الحميد العبار و عقيلة و بوسهمين و السويحلي . ايضا ثمة هوة لا نستطيع تجاوزها بين المنتصر و الكيخيا كرؤساء للحكومات و بين الثني و الغويل مثلا ، و إذا ما أردنا توسعة دائرة المقارنات ، و بالإتجاه نحو دوائر العالم الغربي في فترة الحوارات و المفاوضات ، سنلحظ دونما عناء الفارق الذي لا يقاس بين شنيب و شقلوف من جهة، و المشري و القطراني باش آغا من جهة أخرى .
إن القاريء لتاريخ التأسيس سيدرك فورا تشابه الظروف العامة ، من حيث توفر النزعة البراغماتية المخيفة لدول الجوار ، و تأهب الدول الكبرى لإستثمار أي شيء لتنفيذ أجندتها الخاصة الخاصة و تصفية حساباتها مع بعضها على الأرض الليبية ، غير أن القاريء سيدرك ايضا الإختلافات الكبيرة بين هموم اولئك و هم هؤلاء .
إن الآمال التي كانت تحدونا في لملمة شتات الوطن و أطرافه آخذة في التسرب تدريجيا ، و ربما ستذهب كلها ادراج الرياح ذات يوم قريب ، وليس من منقذ لهذا الوطن ، إلا التفافة صادقة من كل القوى الوطنية المعتدلة – دونما مكابرة أو عند – على برنامج وطني متكامل ، بعيدا عن سطوة سلطة الدين و القبيلة و منهجية إقتسام السلطة بين أصحاب النفوذ .
ليبيا في مسيس الحاجة إلى ” برنامج عمل ” يتلمس المشاكل الحقيقية العالقة و يحددها بدقة ، و من ثم ترسم الخطط المناسبة لحلها ، لينتقل بعد ذلك و إستنادا للنقطتين السابقتين إلى مرحلة ” من ” بإستطاعته تنفيذ ذلك البرنامج .
هذا ” المن” و المبني للمجهول حاليا ، سيصبح معلوما تلقائيا ريثما يتم الإتفاق على هذا البرنامج ، فهو صاحب (القدرة و الكفاءة و الخبرة )على تنفيذ ما يتفق عليه ، لذا فهو على الأرجح لن يكون قائد ذلك التشكيل المسلح ، أو ابن تلكم القبيلة التي لم تنفك عن التلويح بتاريخ مجيد مشكوك في صحته ، أو ذلكم القادم عنوة بفضل تورم الأنا داخل العقل الجمعي لهذه المدينة ، أو ذاك المتأهب صاحب اللحية الطويلة المشمر إلى نصف الساق.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نقلا عن صفحة الكاتب – فيسبوك