إرهابيّ… لكنَّه مواطن
منصور بوشناف
تشير صحيفة “الغارديان” البريطانية إلى عملية إنقاذ المواطن الإنجليزي “سليمان العبيدي ” من ليبيا “بلده الأصلي” إبّان الحرب الأهلية في ليبيا كما تقول الصحيفة.
عملية الإنقاذ، تضيف “الغارديان”، تمّتْ بواسطة “البحريّة الملكيّة البريطانيّة”، وكلّ ذلك التزاما بالقوانين البريطانية التي تُلزم حكومة بريطانيا بحماية مواطنيها، والدفاع عنهم أينما كانوا وفي كل الأوقات والظروف، وذلك أحد حقوق المواطن البريطاني، وأحدِ واجبات الحكومة البريطانية.
الحكومة البريطانية وأجهزتها الأمنية تعرف أنّ مواطنها “العبيدي” متهم بالتعاطف، والقرب من التيار المتطرف، وأنّه، ورغم عمره الذي لم يتجاوز 19 عاما عند إنقاذه، كان مهيأ لأن يكون فاعلا إرهابيا، لكنّ القوانين تلزمها بإنقاذه وإعادته إلى وطنه بريطانيا، بالطبع كان بإمكان بريطانيا وبَحْرِيتها أن تترك “العبيدي” ومئةَ بريطاني آخرين من أصول ليبية تمَّ إنقاذهم، أن تتركهم للمصير الليبي، كي يكونوا شهداء أو جرحى أو إرهابين ليبيين تمَّ القضاء عليهم، وكفى بريطانيا شرّ الإنقاذ، لكنّ القوانينَ تُلزمها بإنقاذ مواطنيها أيّا كانوا، بالطبع هذا الإنقاذ، وتلك القوانين لا تُلزم بريطانيا فقط بحماية وإنقاذ مواطنيها، بل تُلزمها أيضا بمتابعتهم قانونيا، وتقديمهم للعدالة، ومعاقبتهم وفقاً لقوانينها.
“العبيدي” الفتى البريطاني قانونياً، والمتطرّف الإسلامي عقلا وهوى، كان قنبلة حملتها “البحرية البريطانية” إلى أراضيها، وأعادت زَرْعها هناك، هم يعرفون ذلك، ولكن لا إثبات على أنّ هذا الفتى الإنجليزي قنبلة معدّة للانفجار على أراضيهم، مما يجعل معلوماتهم تخمينات فقط وفقا للقوانين، ويحمي المواطن “الفتى البريطاني” من أي إجراءات غير المتابعة وفقا للقانون.
“الفتى البريطاني” تحوّل حقا إلى قنبلة فجّرت مكوّناتها، وقتلت الكثيرين، وأثارت الجزع والرعب وسط وطنه “بريطانيا”، وكلّ ذلك لم يجعل عملية إنقاذه من قبل البحرية الملكية جريمة، ولا حتى خطأ، فقد كان الإنقاذ واجبا وفق القوانين البريطانية.
كان التقصير الأمني، هو الاتهام للأجهزة الأمنية التي لم تستطع أن تمنع العمل الإرهابي قبل وقوعه.
هذه الحادثة أثارت قضايا الاندماج في مجتمعات المهجر ومشاكل الإرهابين الحاملين للجنسيات الأوروبية، ومواجهة التطرف في تلك البلدان، وقضية التعايش بين الأديان، وحقوق التفكير والاعتقاد، وعبر كل ذلك، عن أزمة تعيشها المجتمعات الحديثة، ونتائج العولمة، وتحوّل العالم إلى قرية صغيرة كما يقال، ما لَمْ يفكّر إنجليزي في طرحه أو الاحتجاج ضدّه، هو قيام البحرية الملكية البريطانية بإنقاذ “العبيدي” وإعادته إلى بريطانيا رغم أصوله الليبية، فهو وفقا للقانون مواطن بريطاني، ومن واجب تلك البحرية أن تنقذه، وأن تعيده إلى وطنه بريطانيا.
ذلك أهم ما نحتاج لمعرفته عن “المُواطَنة”، أعني حق الحماية والرعاية لكل المواطنين، أيّا كان تفكيرهم أو معتقدهم أو لونهم أو أصلهم، ذلك واجب الدولة وأجهزتها تجاه مواطنها سواء كان متواجدا على أراضيها أو في الخارج، وتتحول بطاقة الهوية، أو جواز السفر، التي يحملها المواطن إلى رمز للسيادة الوطنية، يحملها المواطن كتعريف لسيادة بلاده واستقلالها، إن تعريف المواطنة الذي يحمله المواطن في جيبه هو صورة من إعلان استقلال وسيادة البلاد التي يحمل بطاقتها أو جوازها، وأي اعتداء أو انتهاك لحق هذا المواطن “الفرد” هو انتهاك لسيادة تلك الدولة التي منحته تلك البطاقة أو الجواز.
نحن أبناء ليبيا، وأعتقد أبناء العالم الثالت جميعا، لم نستطع إلى حدّ الآن أن نؤسس لمفهوم حقيقي وواضح للمُواطَنة، وما زلنا نرسّخ مفهوم “الرعايا” بغض النظر عن أشكال حكوماتنا ودولنا، لذا ظلَّ الإنسان في بلداننا يمثّل سيادة زائفة واستقلالا، رغم كلّ المواثيق والشعارات الدولية، زائفا، ما زلنا أقنانا في إقطاعيات يديرها وكلاء لإقطاعين أكبر.
السيادة والاستقلال وحقّ تقرير المصير تظلّ شعارات لا معنى لها ما لم تحقق للإنسان الفرد أهم أركان “المواطنة”؛ الحماية والرعاية .
ويظلّ إنقاذ البحرية الملكية البريطانية للمواطن البريطاني “العبيدي” وسيلة إيضاح ممتازة في درس المواطنة والسيادة وتأسيس الدول بمعناه الحديث، “إرهابيّ لكنّه مواطن” أولاً.