أين تبخر شورى درنة؟
لمدة ثلاث سنوات خاض الجيش الوطني معركته ضد الإرهاب في بنغازي، بينما بقيت معركته الأخرى في درنة مؤجلة، خوفاً من الطبيعة المعقدة والمتشابكة للمدينة التي خلقت الكثير من القلق حول الأضرار التي قد تصيب المدنيين، والتهديد الكبير الذي ظل يستخدمه شورى مجاهدي درنة المنحل بأن النسيج الاجتماعي في خطر، وأنهم يمتلكون حاضنة شعبية، لا غبار عليها.
هذه التخوفات التي أخرت المعركة، جعلت الجيش متأهباً، إلى أن أعلن القائد العام للجيش الوطني المشير خليفة حفتر انطلاق المعركة في مايو الماضي، في احتفال مبكر بالذكرى الرابعة لعملية الكرامة، ووسط استعراض عسكري مهيب، دقت ساعة الصفر ليدخل الجنود إلى درنة، وتبدأ الاشتباكات في الوديان والجبال المحيطة بالمدينة.
تحمل الذاكرة الشعبية في المنطقة خوفا من الحرب التي دارت في التسعينيات، والتي خاضها النظام السابق ضد المجموعات المتطرفة، ولم يراع فيها الكثير من التفاصيل الدقيقة، التي خلقت وضعاً شائكاً لسنوات.
لكن هذه المرة كان التعامل مختلفاً، فانتهت سريعاً كل المخاوف التي ظهر أنها سراب يحتمي وراءه المتطرفون، ليرموا بثقل أفكارهم، على كاهل المواطن الدرناوي.
المواطن، أو الحاضنة الشعبية التي ادعى مقاتلو المجلس أنها تقف وراءهم، وأن ولاءها لهم لا غير، قالت كلمها بجلاء، كشمس النهار التي دخل الجيش تحت قيظها، فأهالي درنة لا يدعمون الإرهاب، وذات الشباب الذين خرجوا بالأمس يحاربون داعش، يوم أن اختلف الإرهابيون فيما بينهم، كانوا فقط يتخلصون من إرهاب أكبر، في انتظار أن يتخلصوا من تطرف آخر بدعم جيشهم الوطني.
موقف الإسلام السياسي المتذبذب، الذي ما انفك يتحدث عن المدنيين، بضمير مستتر تقديره “لا نريد خسارة درنة”، كذلك كان لافتاً في التخلي السريع، بدءاً من تصريحات على مواقع التواصل الاجتماعي تنتقد عدم اعتراف “شورى المجاهدين” بسلطة حكومة الوفاق، التي لا يمكن أن يوافقها فكره، وصولاً إلى الحديث الصريح عن إمكانية وجود إرهابيين وسط مقاتلي المجلس، الذي كان يستند إليهم في شرعيته السياسية أحياناً.
تبقى الحقيقة الماثلة للعيان، أن “مجلس شورى مجاهدي درنة”، أو اسمه البديل بعد تمثيلية حله وتسميته “قوة حماية درنة”، استخدم آلة إعلامية، استفادت من انشغال الجيش بحرب بنغازي، فضخم قوة لا يملكها، سرعان ما تبخرت، تحت أقدام جنود، لا يعرفون إلا التضحية من أجل ليبيا.