أين الفضيحة..؟
فرج الترهوني
لفت انتباهي تعليقُ أحد الأصدقاء على حائطه الفيسبوكي بمناسبة منح جائزة نوبل للأدب لهذا العام، لكاتبٍ أفريقي هو عبد الرزاق قرناه، ووصفَ الفوز بأنه فضيحةٌ ثقيلة لمؤسسات الثقافة العربية الخاصة والعامة، لأنه لا توجد ترجمة الى العربية لأيّ من أعمال الكاتب. وبغضّ النظر عن مدى صحة ودقّة توصيفه لهذا الحدث بالفضيحة، لأنّ الأمر يتطلب الخوض بجدّية في قضايا النشر والترجمة في العالم العربي، وما تتعرّض له من صعوباتٍ جمّة، ليس أقلها، هجرة القارئ العربي للكتاب، بعد أن وجدت النسبة الضئيلة التي تقرأ منه ضالتَها في التواصل الإلكتروني، وما يقدمه من ثقافة هامشية، وأنّ كل هذا يُجبر الناشر العربي على الإحجام عن خوض مغامرةٍ، ليس من ورائِها أيّ مكسب مادي، إن لم يكن الخسارة الفاحشة.
ومع ذلك ينبغي الاحتفاء بهذه الجائزة المرموقة التي مُنحت لكاتب أفريقي عظيم، حتى وإن حاول البعض (كعادتهم) الإصرار على ربط الجائزة بالدين، من خلال الخلفية الإسلامية للكاتب.
برّرت الأكاديمية السويدية منحها جائزة نوبل في الأدب للروائي عبد الرزاق قرناه، “لتغلغله العميق والجاد الذي لا يلين في قضايا تأثيرات الاستعمار، ومصير اللاجئ في الخليج بين الثقافات والقارات المختلفة.”
ولد قرناه عام 1948 ونشأ في زنجبار. وعندما مرت زنجبار بثورة في عام 1964 تعرض المواطنون من أصل عربي للاضطهاد واضطُرّ غرناه إلى الفرار من البلاد عندما كان في الثامنة عشرة من عمره. ليبدأ الكتابة كلاجئ يبلغ من العمر 21 عامًا في إنكلترا، واختار الكتابة باللغة الإنكليزية على الرغم من أن اللغة السواحلية هي لغته الأولى. ونُشرت روايته الأولى، ذاكرة الرحيل، في عام 1987.
وقد نشر حتى الآن 10 روايات وعددا من القصص القصيرة. وقال عنه أندرس أولسون، رئيس لجنة نوبل، إن روايات قرناه – من أول ظهور له في رواية (ذاكرة الرحيل) التي تدور حول انتفاضة فاشلة، إلى آخر رواية وهي (بعد الحيوات) كانت كلّ أعماله، “تنأى بنفسها عن التوصيفات النمطية، وتفتح نظرنا على شرق إفريقيا المتنوع ثقافيًا وغير المألوف للكثيرين في أجزاء أخرى من العالم، وإن أعماله اخترقت باستمرار وعرّت آثار الاستعمار في شرق إفريقيا، وتأثيراته على حياة الأفراد المقتلعين من جذورهم وعلى المهاجرين”.
ينبغي التذكير أولا أنه لم يفز بالجائزة أي كاتب أفريقي أسود منذ النيجيري “وول سوينكا” عام 1986. وقرناه هو أول كاتب أسود يفوز بالجائزة، منذ أن فازت بها الأميركية السوداء توني موريسون، في عام 1993.
كان عبد الزاق قرناه في المطبخ عندما أُبلغ بفوزه، وقد اعتقد أنها كانت مزحة، لأنه عادة ما يتم طرح مثل هذه الأشياء حول المرشحين المحتملين لأسابيع قبل ذلك، أو في بعض الأحيان قبل ذلك بأشهر، لذلك لم يكن الأمر في ذهنه على الإطلاق. بل خطر له أن يتساءل عمّن سيحصل عليها. ولم يتأخر في التعبير عن فخره لتشريفه بالجائزة وانضمامه إلى الكتاب الذين سبقوه في هذه القائمة.
وقالت ألكسندرا برينغل، محرّرته الأدبية منذ فترة طويلة، إن فوز قرناه كان الأكثر استحقاقًا لكاتب لم يحصل من قبل على التقدير الواجب. ووصفته بإنه أحد أعظم الكتاب الأفارقة الأحياء، ولم ينتبه إليه أحد من قبل.
يصف البعضُ قرناه، بأنه لا يقل أهمية عن الكاتب النيجيري الأكثر شهرة “تشينوا أتشيبي” لأن كتاباته جميلةٌ وعميقة بشكل خاص، ولا تخلو من روح الدعابة واللطف والحساسية. وهو ما يجعل منه كاتبا غير عاديّ يكتب عن أشياء مهمة حقًا.
الحديث يطول عن نوبل وما تلقاهُ من مديح أو نقدٍ لاختياراتها، ويطول أكثر عن عريسها الأخير الأفريقي عبد الرزاق، الذي فوجئ كثيرون باسمه.. لكن من المهم معرفة أن جائزة نوبل للآداب مُنحت 118 مرة حتى الآن. منها 16 جائزة فقط للنساء، سبع منها في القرن الحادي والعشرين. وفي عام 2019 وعدت الأكاديمية السويدية بأن تصبح الجائزة أقل “توجّهاً نحو الذكور” و “مركزية أوروبية” لكنها شرعت في منح جائزتيْها التاليتيْن لأوروبييْن اثنين، هما الكاتب النمساوي بيتر هاندكه الذي أنكر الإبادة الجماعية في سريبرينيتشا، وحضر جنازة مجرم الحرب سلوبودان ميلوسيفيتش، وللكاتبة البولندية أولغا توكارتشوك. ستظل جائزة نوبل ولمن تُمنح موضع جدلٍ دائم حول الأساليب المتبعة في تقييم عطاء المبدعين. بقدْر ما سيثورُ في منطقتنا جدلٌ طويل وعقيم ومُتوقعٌ أيضا، حول أصول الفائزِ العربية وهويته الدينية التي لم تؤثّر أبدا في قرار منح الجائزة المرموقة، دون أن يكلّف المتجادلون أنفسهم الاطلاع على أعمال قرناه أو ترجمتها. وربما هذه هي الفضيحة!