أنقذ نفسك بنفسك
مشعل السديري
ثلاثة أخبار وثلاث صور، ملأت نهاري أسى، وأطارت النوم من عيني ليلاً.
الأولى: لطفل لا يزيد عمره على تسعة أعوام أمسكت به القوات العراقية بالموصل، وصوروه وهم يخلعون ملابسه من الوسط، وإذا بجماعة (داعش) قد طوقوه بحزام ناسف ودفعوه فعلاً لكي يفجر نفسه بالأعداء (نصرة للإسلام) مثلما يدّعون.
والثانية: لامرأة رجمها (همج) عصابات طالبان في أفغانستان بكل حماسة حتى قتلوها، وبعدها انقلبوا يهنئون بعضهم بعضاً على عملهم الإنساني المجيد.
وفي الوقت الذي كان فيه ابنها ذو الأربعة أعوام يدور حول جثتها ويبكي، ثم يتناول بيده الصغيرة الحجارة التي قتلوا بها أمه ويرجمهم بها، واستمر يرجمهم عدة دقائق والدموع تغطي وجهه، فيما هم بلحاهم الكثة الممتلئة بالقمل، وأسنانهم الصفراء التي نخرها السوس يتضاحكون من سذاجة وجهالة ذلك الطفل.
والثالثة: لرجل آسيوي يعمل في إمارة دبي ذهب بأسرته إلى أحد الشواطئ، حيث نزل أبناؤه للسباحة، فيما جلس هو وزوجته يراقبانهم.
وإذا بأختهم الكبيرة البالغ عمرها عشرين عاماً تبدأ بالصراخ والاستنجاد لإنقاذها من الغرق، ويبدو أن أحدهم قد شاهد هذا الحدث، فاتصل من جواله بالطوارئ، وحضر اثنان من المنقذين على عجل، وقبل أن يقفزا بالبحر، تصدى لهما والد الفتاة المفتول العضلات، ودار بينهم عراك رهيب، استطاع هو أن يدمي وجهيهما ويتغلب عليهما.
وفي حموة هذا العراك غرقت الفتاة وماتت، فيما إخوتها الصغار يصرخون ويبكون، وأمها تنتف شعرها وتمزق ملابسها من شدة القهر، ووالدها (الفحل) ملتزم الصمت (ولا على باله) بعد أن أدى مهمته على أكمل وجه، وأراح ضميره.
ووصلت قوة أخرى وقبضوا على الأب، وانتشلوا جثة البنت.
وعندما حققوا معه وسألوه عن سبب تصديه لرجلي الإنقاذ ومنعهما من إنقاذ ابنته؟!، قال لهم بالحرف الواحد: إنني أردت أن أنقذ (شرف) ابنتي الذي هو عندي أغلى حتى من حياتها….. (!!)
وسألوه مرّه أخرى: ما دمت لا تريد لأي رجل أن يمسك بابنتك لإنقاذها، لماذا لم تقفز أنت في البحر لإنقاذها؟!، فقال لهم بكل قناعة وبرود: مع الأسف إنني لا أحسن السباحة.
لا أدري ماذا فعلوا به وماذا حكموا عليه!
ولو كان لي من الأمر شيء لحكمت عليه بأن يقذف به في نفس المكان الذي غرقت فيه ابنته قائلين له: أنقذ نفسك بنفسك أيها الرجل الفالح المدافع عن الشرف.
________________________