أنا “مانحبش” الجيش
محمد خليفة إدريس
إذا كنت تقرأ الآن هذه الكلمات فلابد أنك دخلت لتتأكد بأني لست داعشيا!!
بداية لابد أن نترحّم على أرواح أفراد الجيش الوطني الذين قدموا حياتهم فداء للوطن، وعلى الأطباء والعناصر الطبية والطبية المساعدة ممن بذلوا أنفسم في سبيل إنقاذ الآخرين، وقضوا نحبهم في أتون الاشتباكات، وعلى أفراد الشركة العامة للكهرباء الذين ماتوا صعقا ليوفروا لنا الدفء شتاءً والبرد صيفا، وأن نترحم على كل من بذل نفسه فداء للوطن بلا اسثناء ودون تخصيص وفي كل القطاعات العامة والخاصة والمدنية والعسكرية.
بداية أنا لست داعشيا؛ فلا تلغي صداقتي من الفيسبوك ولا تحذف رقمي من هاتفك إن كنت من معارفي، ولكن كل ما هنالك أنني “مانحبش” الجيش.
إجابة تساؤلك لماذا لا أحب الجيش ستجدها عند الإجابة عن سؤالي، هل تحب الهيئة الليبية للاستثمارات الخارجية؟ أو لنبسط الموضوع أكثر، هل تحب الشركة العامة للبريد والاتصالات؟
إذا سألت أي مواطن في دولة “محترمة” أنت تحب الجيش؟ سيضحك ويظن أنها كاميرا خفية!!
فالسؤال ساذج، ولا أكون مبالغا إن قلت أنه في منتهى الغباء والجنون، وقد قَسّم هذا السؤال العبثي الشارع إلى فسطاطين، ضمن نزاع اخترعناه، ولا وجود له على أرض الواقع.
الجيش والشرطة وشركة الكهرباء وشركة المياه…. وغيرها من القطاعات والهيئات والشركات هي كيانات لايمكن بأي حال من الأحوال أن نبني علاقتنا معها على الحب والكراهية؛ فهي مؤسسات وقطاعات ومنشآت يفترض بها أن تقوم بواجباتها وأن تتحمل مسؤولياتها؛ ومن أجل ذلك استحقت رواتبها ومكافآتها ومزاياها، وينبغي أن نكرِّم محسنيها، ونعاقب المقصرين منهم، ونحاكم الفاسدين وسُرَّاق المال العام في كل المؤسسات على حد سواء فلا أفضلية للفاسدين في قطاع عن نظرائهم في قطاع آخر؛ فالفساد كالإرهاب تماما “لا دين له”، بل قد أتطرف قليلا لأصف الفساد بأنه صورة من صور الإرهاب الاقتصادي الفج في أبشع صوره.
ومن هنا فإن شكر من أحسن في أداء عمله في أي قطاع لا يعد “تطبيلا” ولا يمكن أن نسميه حبا كذلك، كما أن انتقاد ومحاسبة من أخطأ لايمكن أن يعد “عدم وطنية” ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن نسميه كرها، بل هو العدل والإنصاف وإحقاق الحق، بمكافئة المحسنين ومعاقبة المسيئين، فالقاعدة تقول: “من أمِنَ العقوبة أساء الأدب” وهي قاعدة عامة للجميع بلا استثناء فهذه هي الطبيعة البشرية.
ومن خلال ما تقدم يتجلى لك يا صديقي العزيز، أننا نبتكر نزاعات لا وجود لها لننقسم أكثر ولتزداد الهوة بيننا وتبعد الشقة، فلا قدسية ولا حب، بل مساءلة وشكر، فلا مكان للعواطف في مؤسسات الدولة ولنترك الحب لحياتنا الاجتماعية، فقد بات الحب في أيامنا هذه عملة نادرة، وإن صرفناه فهو غالبا يُصرف في غير محله، ولعلي استذكر هنا أغنية إيلي شويري التي كانت تبث على التلفزيون الأرضي بداية التسعينيات “ياناس حبوا الناس الله موصي بالحب” فإن كانت حصتك الشهرية من الإنترنت بها من “الجيجات” مايسمح لك بمشاهدتها ستجدها على يوتيوب، اسمعها وأيقظ الحب في قلبك.
لا تدع الوقت يسرقك واتخذ قرارك الآن بأن تبدأ نظرة جديدة للحياة، بعيدا عن المهاترات فسؤال “أنت تحب الجيش” في غير محله، ولا وجود لمسألة الحب والكره في مؤسسات بلادي، ولنتوقف عن وضع معايير وهمية للوطنية من وحي خيالنا، فلقد تجاوز الزمن هذه الترهات.
وفي النهاية، إذا كنت قد وصلت إلى هذا السطر من المقال فيمكنني أن أقول أنك تحب المقال، فإن كان رأيك خلافا لذلك فيسعدني أن أرى كلماتك في خانة التعليقات أسفل المقال، فقد منحك الإعلام اليوم، الفرصة لتقول كلمتك ولتسمعنا رأيك، فنحن نسترشد بآراء الجمهور فهم المقياس الحقيقي لكل صحفي مهني يحترم عقول الناس ويخدم قضاياهم.