أصحاب الريشة الساخرة: الكاريكاتير وثّق حياة الليبيين
خاص 218| خلود الفلاح
لا يمكن الحديث عن فن الكاريكاتير في ليبيا دون التوقف عند تجربة الفنان محمد الزواوي (1936 ـ 2011)، الذي جسد بريشته طيلة خمسين عاما تقريبا، أحداثًا سياسية واجتماعية واقتصادية، وإن كان الحدث الاجتماعي ظل الأهم والأبرز في تجربة “الزواوي”؛ حيث تناولت لوحاته أشكال التخلف والجهل وقمع المرأة والفروق الاجتماعية والفساد والتبذير، بدقة فنية عالية.
وأيضًا هناك تجربة الفنان حسن دهيميش (1956 ـ 2016 ) المعروف بـ”الساطور”، حيث الكاريكاتير السياسي هو الذي يستحوذ على الاهتمام الأكبر في تجربته الفنية.
وفي هذا التقرير؛ طرحنا عدة تساؤلات، هل الفنون تساهم في إحداث تغيير في المجتمع؟ وهل واكب الكاريكاتير التغييرات المختلفة بالمجتمع الليبي؟ وما هي أصعب لحظة تواجه الفنان أثناء العمل؟
يقول الفنان عبد الحليم القماطي: الكاريكاتير واكب كل ما حدث في المجتمع الليبي من متغيرات سياسية واجتماعية، وهذا تحديدًا هو دور الرسم الساخر، فهو العين الراصدة والمبضع الذي يزيل الأورام الخبيثة والرؤية البصرية التي توثّق كل هذه التناقضات والسلبيات.
في المقابل، أفاد الفنان العجيلي العبيدي بالقول: رغم قلة رسامي الكاريكاتير الليبيين إلا أنه وبجهود بعض الفنانين المثابرين على مواكبة الأحداث برسمها؛ فقد استطاع هؤلاء أن يتعمقوا في قضايا سياسية معقدة بالتعبير والسخرية في ملاعب السياسة.
وعن تجربته، يقول “العجيلي”: دائمًا أحاول عدم المباشرة في تناولي لأي حدث ليبي أو غير ليبي، ولكن هناك قضايا تستفزك فلا يمكن عدم تناولها. ورغم ذلك فإن تجسيدي لها لا يعتمد على التجريح المبالغ فيه ولكن وخز الخطأ بأقل ما يمكن من السخرية حتى لا توقع نفسك في جدال لا مبرّر له، واحترام كل التناقضات الموجودة.
قلق الفكرة
ويذهب “القماطي” إلى أن أصعب لحظة تواجهها أثناء تجسيده لموضوع ما؛ هي القلق من أن الرسالة التي يريد أرسالها لن تصل، ويضيف: هذا ما يقلقني ومجرد ورود هذه الفكرة في مخيلتي يصيبني بالهلع والانكسار.
ويتابع: فن الكاريكاتير في ليبيا مزدهر وله أسماء لها باع طويل ومشرّف ولعلي أذكر هنا عملاق الرسم الساخر “الزواوي”، والذي أسّس مدرسة فرضت نفسها محليًا وإقليميًّا ودوليًا، إلى جانب أسماء عديدة لازالت متواجدة ومجتهدة إلى الآن.
واعتبر “العبيدي” أن أصعب لحظة تواجه فنان الكاريكاتير هي الفكرة والتهيئة لرسمها، لكن لابد أيضًا من التحدث عن ضرورة وجود موهبة الحقيقية تستطيع احتراف مجال فن الكاريكاتير.
وأضاف: هناك من يعتمد على الرسم والتفاصيل أكثر من الفكرة والعكس صحيح ولكن محترف الكاريكاتير اليومي مثلاً لا تنقصه الفكرة؛ فهو يقدم أكثر من فكرة للعمل الواحد حتى يتمكّن من ملاحقة الحدث، وهذا لا يتطبق على كل الفنانين باختلاف أساليبهم.
وعلى عكس الكثير من رسامي الكاريكاتير في الوقت الحالي؛ يرفض “العبيدي” استخدام برامج الكمبيوتر في رسم لوحاته مُفضّلاً القلم.
المحور الإنساني
ويشير “القماطي” إلى أن فن الكاريكاتير ليس فنًا نخبويًا ولم يخلق أبدًا للنخبة، بل هو فن للجميع، مستطردًا: أنا أجسّد كل القضايا في لوحاتي كغيري من الفنانين. الكاريكاتير هو خبز البشر سواء كانوا متعلمين أو مثقفين أو أميين.
ويقول “العبيدي”: أنا أرسم كل المواضيع الإنسانية والبعض منها سياسي واجتماعي، ويشغلني دائمًا تجسيد حالة الإنسان المهضوم حقه في التعبير والعيش الكريم في أي بقعة من العالم، لا يوجد حدود لرسوماتي، لأنها عمل إنساني بالدرجة الأولى ومناصرة المظلوم في أي مكان، هذا المبدأ الذي أنطلق منه، وأتمنى أن تقدّم لوحاتي ما أطمح إليه.
وأردف: أكثر الفترات ازدهارًا لفن الكاريكاتير كانت بوجود عمالقته أمثال الراحلين محمد الزواوي، ومحمد عبيه، ومحمد الشريف، وعوض القماطي، الآن يوجد بعض الفنانين الشباب القلائل الذين يمارسون فن الكاريكاتير بخجل ولا أخفيك بعدم وجود فنانين مهتمين بالرسم اليومي باستثناء القليل وهم أصحاب التجربة أمثال التيجاني أحمد، عبد الحميد الجليدي، وخيري الشريف، ومحمد قجوم، ومحمد الزيتوني، وحامد انقريط، ويوسف الهمالي، وللأسف فإن معظم هؤلاء إنتاجهم متذبذب، والبعض الآخر يمكن أن نطلق عليهم “أصحاب النفس الفني الطويل”.