أزمة الهجرة تثير عاصفة سياسية في الاتحاد الأوروبي
أوروبا تخوض أزمة الهجرة غير الشرعية وسط إشكاليات كبرى تزيد الوضع تعقيدا، وقد تفضي إلى سيناريوهات تخشاها كثيرا بروكسل ولا تبتعد كثيرا عن خيارات البريكست.
أمين بن مسعود
كشفت إشكالية قارب أكواريوس للمهاجرين غير الشرعيين والذي رفضت إيطاليا استقباله وبقي عالقا في البحر طيلة أسبوع، قبل أن تفتح له إسبانيا ميناءها بمدينة فالنسيا، عن هوّة كبرى في مقاربة ملفّ المهاجرين غير الشرعيين بين روما وباريس، ومن الواضح أنّ الهوّة لن تقف عند الدولتين الجارتين بل إنها ستفتح الباب أمام اصطفاف محاور صلب التكتل الأوروبي، إن بقي الأخير متماسكا.
لأوّل مرة نرى روما الجديدة، بعد أن سيطر عليها تحالف اليمين القومي المتطرّف، تستعمل خطابا حادّا حيال باريس وأوروبا، عموما. فقد اتهمت الأولى بالنفاق في ملف الهجرة والثانية بالعجز والتكاسل عن أداء واجبها في هذا الملف الحساس قبل أن تختم أزمة أكواريوس ببيان ناري قوامه أنّ إيطاليا لن تكون بعد الآن “ممسحة حذاء أوروبا”.
صحيح أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون سرعان ما اجتمع بالمسؤولين الإيطاليين الجدد في سعي لاستحثاث السبل الدبلوماسية لمعالجة الأزمة، وصحيح أيضا أنّ ألمانيا تتحضر لاستضافة قمة أوروبية عاجلة لمعالجة الملفّ الحارق والحيلولة دون استحالته إلى صداع جديد قد يتصدّع بمقتضاه التكتل الأوروبيّ، لكن الأصحّ أيضا أنه لا وجود لبوادر مشجعة للتقليص من قوارب الموت التي تبحر بشكل شبه يومي من السواحل التونسية والليبية طالما أنّ الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية في تونس حانقة ومتأزمة وطالما أيضا أنّ المشهد الأمني في ليبيا خارج السيطرة.
يدرك الأوروبيون أنّ نصف حلّ الهجرة غير الشرعية يكمن في تطبيق سياسة التوزيع العادل للمهاجرين على الدول الأوروبية وتشجيع عودتهم الطوعيّة وتوطين الكفاءات القادرة على الاندماج بشكل يسير، والأهم من كل ما سبق إيقاف نزيف قوارب الموت.
كما يدركون أنّ نصف الحلّ الثاني للهجرة لا يتوفّر في بروكسل بل في عواصم المنبع والانطلاق في شمال أفريقيا، وطالما أنّ العدالة الاجتماعية غير متوفرة والبطالة ضاربة بأطنابها والتنمية معطلّة والانتدابات معلقة، فإنّ مآسي البحار لن تتوقّف، وبالتالي فإنّ أزمة الهجرة ستبقى مستمرة في المدى القريب والمتوسط على الأقل.
تخوض اليوم أوروبا إشكالية الهجرة غير الشرعية وسط ثلاث إشكاليات كبرى تزيد الأزمة تعقيدا وصعوبة، وقد تفضي إلى سيناريوهات تخشاها كثيرا بروكسل، ولا تبتعد كثيرا عن خيارات البريكست.
الإشكالية الأولى متمثلة في صعود اليمين المتطرف في أكثر من عاصمة أوروبية على رأسها إيطاليا وبلجيكا وتمكن هذا التيار من الحصول على مقاعد وازنة ومؤثرة في عدة برلمانات في القارة العجوز، وهو ما يصعّب من عملية استيعاب المهاجرين غير الشرعيين ويحول دون أي توفير فرص اندماج للكفاءات الموجودة والمتوفرة من بينها، طالما أنّ شعار اليمين المتوسط الأساسي كامن في “الانعزال” عن العالم واختزال مأساة الهجرة غير الشرعية في المقاربة الأمنية.
الإشكالية الثانية متجسّدة في الصعوبات الهيكلية التي تمر بها برلين، درة تاج النادي الأوروبي، فلأوّل مرة تقريبا يعيش التوافق الحاكم في ألمانيا تشرذما حقيقيا على خلفية ملف الهجرة قد يذهب بحكومة المستشارة أنجيلا ميركل ويأتي بانتخابات جديدة قد تأتي بوجوه أكثر تطرفا في ملف الهجرة.
أمّا الإشكالية الثالثة فكامنة في العجز الهيكلي والبنيوي الذي كشفته المقاربات الأوروبية حول مسألة هجرة السوريين والعراقيين إلى أوروبا، حيث فشلت الدول الأوروبية في استيعاب مئات الآلاف من النازحين الهاربين من هول الحرب والإبادة العرقية ولم تجد الذهنية الأوروبية من حلول حقيقية وناجعة سوى تجرّع كأس السم التركية والقبول بكافة شروط أردوغان لإيقاف نزيف الهجرة.
وإن أضفنا للإشكاليات المذكورة، طغيان المقاربة الأمنية على المقاربات الاجتماعية والاقتصادية في الحوارات المتوسطية السابقة أو في مسار برشلونة لعام 1995، والتي في المحصلة لم تؤد إلى نتائج ملموسة فإنّه يتبين للمتابع قلّة الخيارات الأوروبية في موضوع الهجرة غير الشرعيّة.
معضلة الهجرة غير الشرعية لن تحلّ بخيارات الحظر البحري على السواحل الليبية والتي اجترحها اليمين الشعبوي الإيطالي، ولن تسوّى أيضا بالقوارب العسكرية المتطورة التي ستزوّد إيطاليا بها البحرية الليبية.
القضية هي مأساة اجتماعية واقتصادية وثقافية تدفع بالشباب إلى المقامرة بأعمارهم.
والحقيقة أنّه ليس من العدل تحميل أوروبا فقط، وزر فشل السياسات الاقتصادية والاجتماعية والتنموية للفاعلين السياسيين في شمال أفريقيا، أو فاتورة تعلّق بعض الشباب بأوهام المدينة الفاضلة، ذلك أنّ “الدولة الفاشلة في تونس″ و”فشل الدولة في ليبيا” أسهما ويسهما بشكل كبير في استمرار مواسم الهجرة غير الشرعية إلى الشمال.
ولئن كان من واجب الدول الأوروبية التفكير جدّيا في مقاربات أحسن للإدماج وتوزيع عبء النزوح والاستثمار الإيجابي في روح المبادرات الفردية التي قد يبديها البعض من المهاجرين، فإنّه من أوجب واجبات دول الانطلاق التأسيس لمبادرات تنموية واستثمارية لتوطين الشباب في بلدانهم، والتكتل الأوروبي قادر على أن يساهم بأكثر فاعلية في مثل هذه المبادرات التشغيلية.