أردوغان في ليبيا قرأ الدرس الإيراني
الحبيب الأسود
ليبيا بشعبها وبجيشها الوطني قادرة على صد الاحتلال التركي
لا يزال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مصرّا على تدخله السافر في الشأن الليبي، مهددا بذلك دول الجوار وضفّتي المتوسط، ودافعا نحو المزيد من التوتر، تحقيقا لطموحاته “الإمبراطورية” الزائفة التي لا تتحقق إلا في ظل الصراعات والحروب والفتن في تناسق مع طبيعة المشروع الإسلامي الذي يتبنّاه، والذي يرتكز بالأساس على الاندفاع نحو الغزو والفوضى والسيطرة والتحكم في مصائر الأفراد والشعوب.
لا يختلف أردوغان اليوم عن المرشد العام لإيران، فالرجلان يتزعّمان نظامين مبنيّين على فكرة إحياء الماضي الإمبراطوري لدولتيهما، وكل منهما يستعمل الدين والمذهب والطائفة في ذلك، وينطلق من فكرة الصحوة القومية برداء ديني، تكسوه طهران باللون الشيعي وتركيا باللون السني، ليستهدفا بالأساس المنطقة العربية دون غيرها، مستفيدين من فقدان العرب للمشروع القومي الجامع الذي يمكن أن يساعدهم على التصدي للأطماع الخارجية.
في هذا السياق يعتقد أردوغان أن ليبيا عادت إلى حضن مشروعه الوهمي، فهي كما زعم في أكثر من مناسبة جزء من تراث أجداده وله فيها من يحملون نفس جيناته، مصرحا بمواقفه العنصرية ضد العرب الليبيين، محاولا استعطاف بقية الأقليات، ومستفيدا من سلطة الميليشيات، ومن تطلعات الإخوان وجهويّي مصراتة ممّن باتوا يجاهرون بنظرتهم الدونية للقبائل والعشائر التي تمثل الأغلبية الساحقة من السكان المحليين، في محاولته بسط نفوذه على بلد شاسع المساحة، وافر الثروات، قليل السكان، إستراتيجي الموقع.
ما الذي يدفع بالزعيم التركي للتدخل في ليبيا بهذا الشكل الذي لا يمثل تحدّيا للّيبيين فقط، وإنما كذلك للعرب والأفارقة وللشرعية الدولية والقرارات الأممية؟ الجواب أنه قرأ الدرس الإيراني، فنظام الملالي وضع يده على القرار في العراق وسوريا ولبنان واليمن، وكشف عن أطماعه في دول الخليج، وتوسعت أنشطته في وسط آسيا وأفريقيا وصولا إلى أميركا اللاتينية، وسعى إلى مقارعة الدول الكبرى، ولا يزال رغم العقوبات المسلطة عليه يناور لتنفيذ مشروعه القومي تحت غطاء طائفي وبشعارات كثيرا ما يصدقها السُذّج إلى أن يستفيقوا على حقيقتها، فلا يبقى في صفها غير المستفيدين منها مباشرة، وهذا ما برز مؤخرا في العراق ولبنان رغم التآمر الداخلي والخارجي على ثورتي الشعبين في البلدين.
ويرى أردوغان أن لديه ميزة لا تتوفر عند الإيرانيين، وهي عضوية بلاده في الناتو، وعلاقاته الوطيدة والعميقة والتاريخية والإستراتيجية مع إسرائيل، وهي علاقات ارتقت في عهد حزب العدالة والتنمية إلى مستوى المصالح الشخصية بين أسرة السلطان العثماني الجديد وقيادات حزبه المقربة منه من جهة، وبين كبار رجال الأعمال الإسرائيليين، ما جعل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يعلن الأسبوع الماضي أن أردوغان يسبّهم علنا ويمتّنُ معهم مصالحه التجارية سرا، وانتماء تركيا للناتو يعطي النظام التركي الكثير من الامتيازات التوسعية التي كان أظهرها في العراق وسوريا ويستغلها اليوم في ليبيا، معتمدا على فكرة شق صف الحلف في حالة إبداء بعض دوله رفضها لأعماله الاستفزازية، كما فعلت فرنسا وإيطاليا واليونان وقبرص.
وعندما قال أردوغان، الثلاثاء، إن الإتحاد الأوروبي لا يملك أية صلاحيات للتدخل في الشأن الليبي في رد منه على قرار المهمّة البحرية والجوية لفرض حظر توريد السلاح إلى البلاد التي لا تزال خاضعة لقرارات مجلس الأمن منذ عام 2011، فهو يريد القول إن ليبيا أصبحت من صلاحياته ومن خارطة إمبراطوريته الجديدة، إلى درجة زعمه أنه سيعيد سيطرة حكومة الوفاق المعزولة في طرابلس على كامل الأراضي الليبية، ولم ينقصه إلا الإعلان عن تنصيب حاكم عسكري يتولى الإشراف عليها.
هذا الموقف فيه استضعاف للأوروبيين واستقواء بالتناقضات الدولية وخاصة في الغرب الذي تحرصُ بعض دوله على علاقاتها مع أنقرة أكثر من حرصها على علاقاتها مع الدول العربية مجتمعة، والتي لا تزال تراهن ليس فقط على دوره في حلف شمال الأطلسي ولكن كذلك على قوى الإسلام السياسي التي يقدم أردوغان نفسه على أنه الوصي عليها، وأنه المرشد العام الحقيقي غير المعلن لجماعة الإخوان.
إن لليبيا شعبها القادر على الدفاع عنها وجيشها الوطني الذي يبسط نفوذه على أكثر من 90 في المئة من مساحتها، ولكن القضية الحقيقية تتعلق بموقف العرب إزاء استمرار مشروعي التغول الفارسي والتركي على حسابهم، خصوصا وأننا نعيش منذ بوادر ما سمي بالتغيير في المنطقة والذي دشنته الولايات المتحدة في العراق عام 2003 حالة غير مسبوقة من العجز على مجابهة الاختراقات التي تكرست في ظل ما سمي بالربيع العربي، والتي تتدثر بمشروع إسلامي جعل البعض من أبناء الأمة يرحب بالاحتلال الخارجي فقط لأنه قد يمنحهم فرصة الغلبة المغشوشة على غالبية أبناء جلدتهم.